16 - 06 - 2025

الحلم العربي "الجديد" | ليت الديكتاتورية تعود يوما !

الحلم العربي

أشعر بالغضب كلما استقبلت كلاما ينعت ثورة يناير ٢٠١١ بغير نعتها الحقيقي والواقعي كثورة شعبية كاملة الأركان، لأنها طالبت بالركن الرئيسي وهو التغيير، والتغيير هو هدف ونتيجة أي ثورة ناجحة، إلا أن ركن القيادة الناقص كان معول هدمها السريع ،لأن الشارع لايحكم إلا من خلال صيغة اجتماعية وسياسية من حيث المبدأ، يتبعها علي مهل الصيغ الأخري المتعلقة بالاقتصاد والمعيشة والعلاقات مع الدول ومع القوي المفكرة في المجتمع، و طبعا الصيغة تصنعها قيادات الثورة وينقلها الثوار علي الأرض في الشارع، ولم يكن هذا متوفرا، فاختلط الحابل بالنابل وسهل اختراق الشباب الثائر، وسهل أيضا خلط واندماج الثوار الأصليين مع الثوار الوهميين وأصحاب المصالح والخصومات السياسية، وكل من تدغدغه فكرة أو قرأ كتابا وظن أنه مثقف.. وجاء الخطر الأكبر عندما دخل الدين إلي قلب الثورة وتوحدت أفرعه في الداخل والخارج، لتصبح الشوارع العربية معجنة يغرز فيها كل مدعي وانتهازي وبلطجي، علاوة علي مالذ وطاب من عملاء الخارج والداخل.. أعود وأقول أغضب من الانتقاص منها، كالقول مثلا أنها حركة أو أحداث أو انتفاضة، فمابالك بمن ينعتها أصلا بالكارثة والمصيبة والمؤامرة.

ولكن.. وآاااه من لكن.. استمر غضبي، لكن استمر أيضا تفكيري بعد سنوات تغيرت فيها المنطقة بالفعل، ولم تكن تنتظر طوفان الأقصي ٧ أكتوبر 2023 إلا ففط لاستخدام الأسلحة بعد التمهيد بانهيار المجتمعات قبل التمهيد النيراني.

والحمد لله، أنا لا أحب التوقف عند قناعاتي ودقها كوشم علي جلدي أو بين ضلوعي، فبدأت أفكر من جديد خاصة مع تصريح للرئيس الروسي بوتين يلعن فيها ديمقراطية الغرب ويقول صراحة أنها لم تعد تناسب هذا العصر..

بالطبع انا لم يعجبني تصريحه، لأنني بلا شك وبلا تردد مع الديمقراطية واحلم أن أراها عندنا في مصر.. إلا أن ظهور الرئيس الأمريكي ترامب حتي من ولايته الأولي ''لعب الفار في عبي'' ثم بدأ يخربش ويزعجني، ويغير الكثير من فكرتي العامة في الولاية الثانية بما يغعله بأمريكا صانعة الأحلام وحقوق الإنسان والحرية المطلقة في العالم .. وسبق ذلك سطوة رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو المجرم الذي سار باليمين المتطرف إلي أبواب مملكة الديكتاتورية من خلال محاولته السيطرة علي القضاء والسيطرة علي القرار .. ثم ما واكب ذلك من تصاعد حضور اليمين في أوروبا.

حتي هذه اللحظة من الكتابة، لا أريد من القارئ أن يتشكك في غرامي بالديقراطية .. بل أقول له فقط إن عصور التحولات الكبري والضخمة التي تشهد خرائط جديدة، لايصلح معها ولا لها إلا القبضات الحديدية.. لاتنفع أمريكا بدون ترامب ولا إسرائيل بدون نتنياهو ومعهما ديكتاتوريات عتيقة في الصين وروسيا وإيران.. هذه الأنظمة حاليا هي الفاعلة والمتفاعلة في قلب أحداث العالم، هي قاعدة البناء العالمي الجديد وجميعها الآن ذات صدي ديكتاتوري.

سيبك من كل هذا الكلام، فهو تمهيد طويل لفكرة قصيرة لكنها لافتة.. عليك أن تقوم برحلة إلي ليبيا والعراق واليمن وسوريا والسودان، وتمشي في شوارعها وتقابل الناس وتسألهم عن أيامهم ولياليهم.. أظن وأعتقد وربما أجزم أنهم سيردون عليك بصوت عال وبلا حرج تحت ضغط المعاناة والعجز: فين أيام صدام حسين في العراق وعلي صالح في اليمن ومعمر القذافي في ليبيا وحافظ الأسد في سوريا وبورقيبة وزين العابدين في تونس.. يتمنون ويحلمون بعودة أشرس وأقذر  أشكال الديكتاتورية التي  عذبت وقتلت وكممت أفواه معارضيها .

وبيني وبينك ومتقولش لحد، هناك فارق أن تعذب أو تقتل عددا من المعارضين، وأن تعذب وتقتل شعوبا بأكملها.. خصوصا وأنك كمواطن يتعذب، تري أن بلدك لم تستفد اصلا من تضحياتك، ولم يكتب لها الحياة، وبالتالي لم يكن هناك ثمن لتحملك ولا عذابك ولا موتك.. يعني حضر  الفناء للجميع..

هذا موضوع شائك وربما يغضب مني الناس، لكن عزائي أنه حقيقة..

أما لماذا الديمقراطية في كثير من الأحيان لاتصلح للعرب، فهي قصة أخري لها مناسبة أخري..
---------------------
بقلم: إبراهيم ربيع

مقالات اخرى للكاتب

الحلم العربي