مع قرب الاستحقاق البرلماني في مصر المحروسة، نهاية هذا العام، سواءً بانتخابات مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، وانتظار الشعب المصري لهذه المناسبة السياسية، التي منحها له الدستور المصري قبل ما يزيد عن 150 عامًا تقريبًا؛ ليعيد تقييم من اختارهم ولم ينجحوا في توصيل صوته، وأحيانًا نواحه، وكثيرًا آماله وأوجاعه إلى الحكومة المركزية.
رصدنا في الحقيقة عدة أوجه للعلاقة بين معالي النائب والشعب الطيب، في محافظات مصر، وخاصة جنوبها الساخن، في يونيه ومعظم العام.
لفت انتباهي تنمر البعض ممن اختارهم المواطن، أو اضطر لاختيارهم، أو أجبر على اختيارهم؛ لعوج حقيقي يضرب نظامنا الانتخابي منذ ثورة يوليو 1952 (سيأتي الحديث عنه في مناسبة أخرى)، والتنقل الدائم بين النظام الفردي والقائمة بأشكالها المختلفة، وصولًا إلى شكلها الحالي، والذي أراه تعيينًا أكثر منه انتخابًا، ولا حيلة للناخب في اختيارها.
الحقيقة إصرار وتكالب المرشحين، ووصولهم أحيانًا للبكاء، والإغماء، والتوسل؛ من أجل اللحاق بقطار "القائمة"، ينم عن أرضية تمثل صفرًا للبعض، ولا يستطيع الحصول على أصوات جيرانه في الشارع الذي يسكن فيه. وأما الأغرب هو خروج بعضهم في وصلات هجوم على الناخب نفسه، وارتداء ثوب "هولاكو" وهو يخاطبهم.
حتى أن البعض أحيانًا يؤكد أنه جاء لمقعده غصبًا عن إرادتهم، ولا دور لهم في ذلك. وأحيانًا رفع تون الصوت والصياح بأن المواطن هو المخطئ في شكواه من نقص الخدمة، وأنه لا فضل له في وصول البعض للقبة؛ ولذا لا يخشونه، ولا يخشون حسابه، مستخدمين جملًا يحاسب عليها ضمير من اختارهم مثل: "ما حدش له حاجة عندنا"! وهي جمل لا يمكن أن يستخدمها سياسي منتخب في الحديث مع ناخبيه، إلا من ظن واعتقد أنه يمتلك من مفاصل القوة ما يؤهله حتى لتكرار تمثيله، أو انتزاع تمثيله لناخبين، ربما لا يكترث برأيهم أو حتى مطالبهم!
لن نتحدث عن تفصيل قوانين مؤخرًا؛ من أجل استمرار المخرج في تصدير نفس الوجوه المعادة، منذ ثورة يناير، بنفس الأداء، وبنفس غضب المواطنين في دوائرهم. ولكن ما يغضبني ويثير انتباهي: لمصلحة من يحدث ذلك؟
سأتهمك بالكذب والغباء الشديد إن أجبتني أن هذه رغبة القيادة السياسية، والتي لا تدع مناسبة وخطابًا إلا وتعيد تقديرها واحترامها لهذا الشعب العظيم، ولم تخرج يومًا وتحرج أو تجرح أصغر مواطن في الـ 120 مليون مواطن، في هذا الوطن العظيم. وكما أنه ابدًا ليس لمصلحتها مطلقًا أن تتصدر هذه الوجوه المرحلة السياسية، وهو ما أعتقد جازمًا ما ستنتج عنه الانتخابات البرلمانية القادمة.
في الحقيقة أعلم تفاصيل مضحكة للغاية، عن كواليس انتخابات 2020، ولكنني أحتفظ بها مؤقتًا، وربما لاقى من شارك في أخطائها ما استحق من الدولة وقيادتها.
نعيد ونكرر أن الأصل في الانتخابات هو النظام الفردي، وأن الهروب منه هروب للأمام من عدم شعبية أو مواجهة مع المواطن أو الناخب، وكذا ارتداد على التمثيل الشعبي لطبقات الشعب، وانتقال كامل من يسار الوسط لأقصى اليمين، الذي يمثله رجال أعمال، وأصحاب أراضٍ وشركات، أو أرامل أوضاع سياسية سابقة عن ثورة يناير.
جازمًا أؤكد أن من يتجرأ في الحديث العنيف مع المواطن، والرد والردح على صفحات التواصل، لا يمكن أن يمثله لو تم توافر فرص عملية انتخابية حقيقة، بأركانها الثلاثة "ناخب + صندوق + مرشح"، وفقط ساعتها سيعلم البعض أنه لا يمكنه أن ينجح في انتخاب اتحاد طلبة مدرسة ابتدائية! ولذا فهو على استطاعه أن يبيع ملابسه أحيانًا للتعلق بآخر عربة من قطار القائمة المغلقة، وخاصة أن إنجازات البعض منهم صفر تقريبًا. وبعضهم ترك دوائره في الصعيد وهي أحد أسوأ مدن مصر، ويذهب لمسؤولي محافظته مبتسمًا ضاحكًا بأسنان متساقطة، ويتبادل معهم النكات السخيفة، وأحيانًا وصل به الحد للتحدث بطريقة "وفيها إيه أما المياه تنقطع أسبوع يعني هما دول بيستحموا أصلًا ههههههه"!!
أتمنى لو أنني أعيش يومًا، وأرى نظام الانتخابات في مصر أصبح مثل النظام الأمريكي أو الفرنسي بالنظام الفردي، ووقتها سيعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون، ويتواضعون قليلًا، ولا يهاجمون ناخبيهم وهم في أشد الحاجة إليهم، ولا يتعاملون معهم بطريقه "حسنة.. وأنا سيدك".
---------------------------
بقلم: عادل عبدالحفيظ