اعرف عدوك، الكيان الصهيوني الغاصب لأرض عربية، يمارس العنصرية بكل المقاييس مع الشعوب التي استقدمها من كل حدب وصوب، من أرجاء الكرة الأرضية. وكل يهودي قدم إلى أرض فلسطين ليعيش فيها هو صهيوني؛ لأنه اغتصب أرضًا وسرق بيتًا.
ولأنه كيان عنصري؛ صار يُقسم اليهود في فلسطين بحسب العرق، ويتعامل معهم على هذا الأساس. وللتوضيح نلقي نظرة سريعة على وضع اليهود داخل الكيان الصهيوني.
ينقسم اليهود إلى:
- (المزراحيون أو مزراحيم)، أي اليهود الشرقيين أو المشرقيين، وتُطلق هذه الكلمة على اليهود القادمين أو المنحدرين من سلالة يهود الشرق المتوسط، وبعض البلدان الإسلامية من العصور التوراتية إلى العصر الحديث، ويتضمن المصطلح أيضًا يهود إيران، وجبال القفقاس، والهند، وكردستان، وجورجيا، وآسيا الوسطى، إضافة إلى يهود اليمن، والعراق، وسوريا، والجزيرة العربية.
ومن الناحية الدينية يتبع اليهود المزراحيون، باستثناء يهود اليمن، المذهب اليهودي السفاردي الذي تطور لدى اليهود الخارجين من إسبانيا والبرتغال في القرنين الخامس والسادس عشر.
أما يهود اليمن فيتبعون مذهبًا دينيًّا يهوديًّا خاصًّا بهم. ويشمل مصطلح المزراحيم أيضًا اليهود من مصر، والسودان، وتونس، والجزائر، وليبيا، والمغرب، ممن عاشوا في شمال إفريقيا قبل وصول السفارديم.
- اليهود السفارديم (سفرديم) هم الذين تعود أصولهم الأولى إلى يهود أيبيريا (إسبانيا والبرتغال)، والذين طُردوا منها في القرن الخامس عشر، وتفرقوا في شمال أفريقيا، وآسيا الصغرى، والشام، والكثير منهم كانوا من ضمن رعايا الدولة العثمانية، وكانت لهم لغة خاصة هي (لادينو)، وتعتبر مزيجًا من اللغة اللاتينية والعبرية، ولكنهم صاروا يتحدثون لغات البلاد التي استوطنوها، كالعربية، والتركية، والإيطالية.
ويقابل مصطلح (السفرديم) مصطلح اليهود (الأشكنازيون)، أي اليهود الأوربيون الغربيون، وهو تَرادُف خاطئ؛ لأن البعض من يهود الشرق (يهود أثيوبيا واليمن) ليسوا من السفارد، ولا علاقة لهم بالتراث السفاردي الإثني أو الديني.
-اليهود (الأشكناز) هم أصحاب المرتبة الأولى في دولة الكيان الصهيوني، وهم الذين يحصلون على الأفضلية في كل شيء؛ في الأراضي، والمستوطنات، والمعاملات، ومستوى الدخل.
ويأتي من بعدهم السفارد والمزراحيم، أو يهود المشرق الذين تتعامل معهم دولة الاحتلال كمرتبة أدنى.
وتعود الاختلافات بين الأشكناز والسفرديم إلى اختلاف الأصول، فالإشكناز تَبنَّوا الصيغة الفلسطينية لليهودية، مقابل الصيغة البابلية التي تبناها السفارد، لكن في نهاية الأمر كلا الفريقين تَبنَّى التلمود البابلي، مرجعًا وحيدًا في الأمور الدينية والفقهية.
والاختلافات بين السفارد والإشكناز في الأمور الدينية غير عميقة، وليست جوهرية، ولكن يُلاحَظ أن تأثير السفارد الفكري الديني في الإشكناز كان عميقًا، فعلى الرغم من أن بدايات القبَّالاه إشكنازية، فإن تَحوُّلها إلى نسق متكامل في كتاب الزوهار، ثم القبَّالاه اللوريانية، تم على يد السفارد، بل إن الفكر القبَّالي ذاته يكاد يكون فكرًا سفارديًّا، وهو الذي اكتسح الفكر الحاخامي الإشكنازي، كما أن أهم كتب الشريعة اليهودية (الشولحان عاروخ) كتاب سفاردي.
وقد لاحَظ أحد المفكرين أثر الفكر المسيحي في الفكر الديني للإشكناز، فظاهرة الاستشهاد فيما يُعرَف بمصطلح تقديس الاسم، أُخذت من المسيحية.
أما المارانية، وهي شكل من أشكال التَقية، فهي ظاهرة سفاردية، ويمكن ملاحظة تأثير الفكر المسيحي الصوفي في الحسيدية أيضًا، على عكس الفكر السفاردي الذي تأثر في بعض جوانبه بالفكر الإسلامي.
وفي أواخر العصور الوسطى، تحولت غالبية السكان الأشكناز نحو الشرق الأوروبي، وانتقلت من الإمبراطورية الرومانية المقدسة إلى المناطق التي أصبحت لاحقًا جزءًا من الكومنولث البولندي الليتواني (الذي ضم أجزاء من بيلاروسيا، ولاتفيا، وليتوانيا، ومولدوفا، وبولندا، وروسيا، وأوكرانيا).
وخلال أواخر القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، قاد اليهود الذين بقوا أو عادوا إلى الأراضي الألمانية، فكرة إعادة التوجيه الثقافي نحو التنوير، تحت تأثير حركة الهاسكالا، والنضال من أجل التحرر، وتخلوا تدريجيًّا عن استخدام اللغة اليديشيَّة، وتبنوا اللغة الألمانية، مع تطوير أشكال جديدة من الحياة الدينية اليهودية، والهوية الثقافية، للاندماج في الوسط الأوروبي.
ويتناقض اليهود الأشكناز مع اليهود السفارديم، الذين ينحدرون من اليهود الذين استقروا في شبه الجزيرة الأيبيرية، واليهود المزراحيين، الذين ينحدرون من يهود الشرق المتوسط.
- ثم يأتي في المرتبة الثالثة اليهود (الفلاشا) القادمون من أثيوبيا، حيث يتم التعامل معهم على أساس وضيع، وأغلبهم يتم إلحاقهم كجنود في جيش الاحتلال الصهيوني، ولا يحصلون على رتب عليا في الجيش الصهيوني.
التقسيم العنصري في دولة الكيان الصهيوني قائم على أساس عرقي خالص؛ فيهود أوروبا لهم الأفضلية في كل شيء، ثم بعدهم يأتي يهود المشرق، والطبقة الدنيا هم يهود الفلاشا من أثيوبيا.
- ولأنهم يَرَوْن أنفسهم شعب الله المختار؛ فإن نظرتهم للشعب الأصلي (العرب المسلمين والمسيحيين) دونية جدًّا، في مرتبة الحضيض، ليتم التعامل معهم على أنهم دواب موسى، وكل عربي بالنسبة لهم دمه حلال.
هذه الدولة التي تتصنع الديمقراطية، وتدّعي العدل والمساواة، تقوم في الحقيقة على أساس عنصري بشع، وحتمًا هذا الكيان الغاصب المحتل إلى زوال، مثلما سقط وانتهى نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
--------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
* سفيرة المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام