كانت الدراما المأساوية في المسرح اليوناني القديم حسب المعايير التي وردت في كتاب أرسطو (فن الشعر) تشترط وجود شخصية البطل وشخصية شريرة وشخصيات أخرى هامشية ليس لها قيمة فنية علاوة على حبكة درامية مقنعة للجماهير. وفي النهاية لابد من انتصار البطل وتدمير الشرير ويستحسن ذبحه وسفك دمائه على مرأى من الجماهير وبذلك ينتصر الخير على الشر وتتحقق العدالة وتزول لعنة الآلهة وتسقط الأمطار التي توقفت وتخضر الأرض الخراب مرة أخرى.
هذا ما حدث بالضبط في البيت الأبيض ولكن في سياق معاصر وفي حضور إيلون ماسك ونائب الرئيس السيد فانس. فبعد خناقة ترامب الشهيرة مع الرئيس الأوكراني تم إعداد المسرح ووضع الفخ ونصب السيرك مرة أخرى، ولكن هذه المرة لرئيس جنوب إفريقيا الذي يزور أمريكا مع وفد مصاحب له.
فوجيء رئيس جنوب إفريقيا بحضور وفود صحفية أثناء لقاء ترامب وطالبه بأن تكون المفاوضات والمباحثات والحوارات بين الطرفين في مكاتب مغلقة، ولكن ترامب طنش وفتح النار على الرئيس الإفريقي متهماً بلاده بممارسة الإبادة الجماعية ضد الفلاحين البيض (لا تنسوا أن جنوب إفريقيا هي الدولة التي اتهمت الكيان بممارسة الإبادة الجماعية وقدمت الأدلة إلى الجنائية الدولية وتم إدانة بعض قادة الكيان).
المهم حاول الرئيس رامافوزا بكل الطرق إقناع ترامب أن بلاده لا تمارس أي إبادة ضد المزارعين البيض، وأن وزير الزراعة المصاحب للوفد رجل أبيض وهناك العديد من الوزراء البيض رغم أن البيض يشكلون ٧ في المئة من عدد السكان ولكنهم يسيطرون على ٧٥ في المئة من الأراضي، ولذلك هناك قانون جديد يجري تطبيقه تحاول الحكومة من خلاله تنظيم ملكية الأرض وإعادة توزيعها.
لكن ترامب تجاهل هذه التصريحات واستمر في الحديث عن هروب البيض من ج إفريقيا بسبب الإبادة. ثم أمر ترامب الموظفين بإطفاء الأنوار وبث شريط تليفزيوني يتضمن أغاني لمجموعة من السود ينادون بقتل البيض في جنوب إفريقيا. ورد الرئيس الجنوب إفريقي بأن الأغاني لمجموعة متطرفة معارضة للحكومة وأن الحكومة أدانت ذلك ورفضته. لكن ترامب استمر في الهجوم على الرجل.
هنا توجه أحد الصحفيين بسؤال لترامب. قال له (سيبك من الكلام ده يا أبو إيفانكا خلاص عرفنا إللي بيحصل في جنوب إفريقيا وخلينا نتكلم شوية عن الطيارة بتاعة قطر). هنا صرخ ترامب في وجه المراسل الصحفي قائلا: أنظروا هذا أحدهم. هذا أحد الصحفيين المزعجين المقرفين وطلب بإخراجه من القاعة. وقال بأن هناك شرذمة من الصحفيين لا هم لهم سوى الحديث عن طائرة واحدة أهديت لأمريكا. عندئذ عقب رئيس جنوب إفريقيا مخاطباً ترامب بسخرية قائلا: يا سيادة الرئيس نحن لا نملك طائرات نهديها لك.
(مساؤكم ترمبي الهوى)
-----------------------
بقلم: د. صديق جوهر