سلط سي سوشما القائم بأعمال سفير الهند لدى مصر، في مقال له، الضوء على حادث مدينة بهالجام، الواقعة في منطقة جامو وكشمير الهندية، في 22 أبريل 2025، والتي شهدت هجومًا دمويًا استهدف عددًا من السائحين، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا، من بينهم 25 سائحًا (غالبيتهم من الهند) وشخص محلي، إضافة إلى إصابة 17 آخرين.
وقد أثار الحادث صدمة كبيرة في الهند والمجتمع الدولي، وأعاد تسليط الضوء على التوترات المستمرة في الإقليم والنزاع التاريخي بين الهند وباكستان.
وفقًا للسلطات الهندية، فقد قام مسلحون بإطلاق نار عشوائي على السائحين في منطقة وادي بيساران بالقرب من بهالجام، وذكرت تقارير هندية أن منفذي الهجوم ينتمون إلى جماعة تُعرف باسم “جبهة المقاومة”، التي تصفها الهند بأنها مرتبطة بمنظمة “عسكر طيبة”، المصنفة كجماعة إرهابية دولية من قبل مجلس الأمن منذ عام 2005.
وأشارت الرواية الهندية إلى أن الهجوم كان يحمل طابعًا طائفيًا، حيث تم استهداف الضحايا بناءً على ديانتهم، ووصفت نيودلهي الحادث بأنه “الأكثر دموية ضد المدنيين في كشمير منذ أكثر من عقدين”.
وردًا على ذلك، اتخذت الهند عدة خطوات دبلوماسية، شملت تعليق معاهدة مياه نهر السند، وإغلاق المعابر الحدودية، وتخفيض مستوى العلاقات مع باكستان.
وفي 7 مايو، أعلنت الهند تنفيذ عملية عسكرية تحت اسم “سيندور”، استهدفت تسعة مواقع داخل الأراضي الباكستانية، قالت إنها “بؤر إرهابية” مرتبطة بالتخطيط لهجوم بهالجام. وأكدت الهند أن العملية كانت مركزة وغير تصعيدية، مع مراعاة عدم المساس بالمنشآت المدنية أو العسكرية الباكستانية، في محاولة للحفاظ على التوازن الاستراتيجي في المنطقة.
وأدانت مصر الهجوم بشدة، وأعربت عن دعمها الكامل للهند وباكستان في مواجهة الإرهاب.
وتلقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اتصالًا من الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكّد خلاله على تضامن مصر مع ضحايا الحادث.
كما تبادل وزيرا الخارجية في البلدين رسائل تضامن واتفاق على تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، في سياق العلاقة الاستراتيجية الممتدة بين الدولتين.
وأعرب الرئيس السيسى عن ترحيب مصر باتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين الهند وباكستان، مؤكداً على أهمية الحفاظ عليه واستدامته، وضرورة إيجاد حلول سياسية دائمة للأزمة بين البلدين لضمان أمن واستقرار منطقة جنوب آسيا.
ويأتي هذا في ظل تجارب مصر الخاصة مع الإرهاب، والتي شملت اعتداءات مماثلة على السياح وأماكن العبادة، كان أبرزها حادث الأقصر عام 1997. وقد عبّرت مصر عن فهمها الكامل لتداعيات الإرهاب، خاصة حين يستهدف قطاعات حيوية مثل السياحة، وأكدت على أهمية التعاون الدولي في التصدي لهذا التهديد.
الرواية الباكستانية والرد الرسمي
في المقابل، نفت باكستان أي علاقة لها بالحادث. وقال وزير الإعلام الباكستاني عطا الله تارار إن “الهند دأبت على تحميل باكستان مسؤولية الحوادث الإرهابية دون تقديم أدلة واضحة”، مشيرًا إلى ما وصفه بـ”الاستغلال السياسي والإعلامي” من جانب نيودلهي.
وأضاف أن الرد العسكري الهندي بعد حادث بهالجام تضمن “انتهاكًا للسيادة الباكستانية”، واستهدافًا لمناطق مدنية، ما دفع القوات الباكستانية إلى إسقاط عدد من الطائرات المُسيّرة، بحسب قوله.
وأشار إلى أن بلاده دعت إلى “تحقيق نزيه وشفاف” في الحادث، لكن الهند لم تستجب، وبدلاً من ذلك قامت بشن عمليات عسكرية.
كما لفت المسؤول الباكستاني إلى أن بلاده “قدمت تضحيات جسيمة في مكافحة الإرهاب”، متحدثًا عن أكثر من 90 ألف ضحية منذ عام 2001، مؤكدًا أن الجيش الباكستاني “هو الحاجز الرئيسي ضد الجماعات الإرهابية التي تحاول فرض أيديولوجياتها المتطرفة”.
وأشار تارار إلى قضية إقليم كشمير باعتبارها “جذر النزاع” بين البلدين، داعيًا إلى حل سياسي عادل يعكس تطلعات سكان الإقليم، على أن يكون وفق قرارات الأمم المتحدة وخطة تقسيم عام 1947، والتي يرى الجانب الباكستاني أنها تُعطي لكشمير، ذات الأغلبية المسلمة، حق الانضمام إلى باكستان.
كما اتهم الوزير الهند بدعم أنشطة تخريبية داخل الأراضي الباكستانية، مبرزًا حادث القبض على المواطن الهندي كولبوشان جادهاف، الذي تم اتهامه سابقًا بالتورط في أعمال تجسس وإرهاب داخل باكستان، كمثال على ما سماه بـ”الدور المزدوج” للهند.
وقد عبّر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن إدانته للهجوم، داعيًا إلى تقديم مرتكبي الحادث للعدالة، كما دعا أطراف النزاع إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد العسكري. وتواصلت الدعوات الدولية لفتح قنوات دبلوماسية بين نيودلهي وإسلام آباد، بهدف الحد من التوترات وتفادي أي تدهور إضافي في الأوضاع الأمنية جنوب آسيا.
في ظل التوتر القائم والمواقف المتباينة بين الهند وباكستان، يبقى السلام في المنطقة رهينًا بفتح قنوات حوار صريح وشفاف، وإيجاد آليات مشتركة للتحقيق في مثل هذه الحوادث، بما يضمن العدالة للضحايا، ويُجنّب المنطقة دوامة التصعيد العسكري.
وتؤكد كل من الهند وباكستان، رغم الاختلافات، على التزامهما المعلن بمحاربة الإرهاب، لكن التحدي الأكبر يظل في بناء الثقة المتبادلة، وتفكيك الاتهامات المتبادلة، والعمل على حل القضية الكشميرية ضمن إطار سياسي وسلمي يُراعي الحقوق والمصالح المشروعة لكافة الأطراف.