يتصاعد الضغط الأوروبي على نتينياهو، ويقفز من اللوم، إلى الإدانة، ثم الغضب، فالشجب، ومؤخرا العقوبات.. ربما هي المرة الأولى التي تشرع فيها دول أوربا إلى اتخاذ إجراءات بفرض حظر توريد الأسلحة إلى تل أبيب وآليات لفرض عقوبات تتعلق بالشراكة الأوروبية، بل وجاءت تصريحات قاداتهم تتضمن اتهاما صريحا لنتينياهو بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وبلغ التصاعد أعلى نقطة (حتى وقت كتابة تلك السطور) في أعقاب إطلاق النار على بعثة دبلوماسية أوروبية، كانت السلطات في تل أبيب، صرحت لها بزيارة وتفقد مدينة جنين المكلومة، في الضفة الغربية، لتعلن العواصم هناك عزمها اتخاذ قرارات ضد إسرائيل تؤدي إلى إرغامها على إدخال المساعدات ووقف الحرب.
كل ده واحنا بنتفرج:
ـ السماء تُمْطِر صمتا على النظام العربي الرسمي، وهو يجلس أمام "المشهد الإسرائيلي" الدموي، وإلى اليمين يقف السكون، وإلى اليسار يتكىء السكوت على عصا غليظة تمسكها الحكومات العربية، تحسبا لأي غضب جماهيري، يفسد عليها مراميها .. ممنوع الكلام في شوارع الغضب العربية، وبدا المشهد وكأن الصديق الأمريكي يرتدي العمامة السودانية، يُبرِق عينيه لنا، ويحتد بصوته على طريقة الأحباب في الخرطوم آمرا: "أسكت ساكت".
ـ لندن، باريس، ومدريد تضعط وتعاقب وتنذر بالمزيد، وتهيء الأجواء أمام العرب، وترفع لهم الكرة في الوقت الأخير لتسجيل "شرف" المشاركة في إنهاء الحرب وإدخال المساعدات، لكن العرب يهدرون الفرصة الأخيرة للخروج من صفحات التاريخ السوداء.. اعتقدوا أن التريليونات التي حصل عليها ترامب، كافيه لتبني مطالب العرب في إنهاء الحرب وإدخال المساعدات، وجددوا الثقة فيه باعنباره "حلًال المشاكل" وودعوه مغادرا إلى البيت الأبيض محملا بـ600 مليار دولار من السعودية، 1.2 تريليون من الإمارات، إضافة إلى 200 مليار جديدة، وتريليون التزامات سابقة.
3.4 تريليون دولار، اعتقد معها العرب أنها كافية لإسالة لعاب ترامب، والحصول منه على ما وقف المجازر، وإدخال المساعدات، وتركوه يغادر انتظارا لتنفيذ مطالهم، ونسوا المأثور العربي "البُكا على راس الميت"، وما لم نحصل عليه وهو في حوزتنا ضيفا على ديارنا، لن نحصل عندما يكون بعيدا عنا في البيت الأبيض.
ربما هناك مساحة من الصدق الأمريكي في ما يتعلق بإدخال المساعدات، وربما يتم الاتفاق على هدنة، توافق عليها إسرائيل مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الإسرائيليين، خصوصا وإن المساعدات ووقف النار قد يهدئان من غضب العواصم الأوروبية، ما يعطى إسرائيل وامريكا فسحة من الوقت والضغط للخروج بأفضل تسوية تحقق لهما ما عجز عن تحقيقه السلاح.. لذلك،على النظام العربي أن يدعم موقف حماس في تسوية شاملة ويرفض الاتفاق الجزئي الذي دائما ما تنقضه تل أبيب وتتراجع عنه، وأن يتمسك العرب بضرورة الحل الشامل للصراع بما يضمن وجود الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة، حتى لو منزوعة السلاح، خلال مدة زمنية محددة، بضمان أعضاء مجلس الأمن،..
هي الفرصة العربية الأخيرة، لتفعيل أوراق القوة الناعمة التي في حوزتهم، من أجل المشاركة في الضغط الدولي على إسرائيل من أجل وضع حد لجرائمها، إن لم يكن من أجل الإنسانية التي ندعي ونطنطن بحمل لوائها، فمن أجل المصالح الوطنية لكافة البلاد العربية.
النظام العربي الرسمي يشارك في زيادة الضغط على إسرائيل بالصمت والسكون.. دعنا من البيانات والإدانات والشجب والرفض، فرغم وجوبها السياسي الهام، إلا إنها في النهاية لا تبيض، حلا، أو مخرجا أمام المقتلة اليومية والمجاعة المأساوية التي تحارب بهما إسرائيل الوجود الفلسطيني كله، في غزة والضفة..
لدينا مناورات سياسية، وإغراءات دبلوماسية، للضغط، ولا نستخدمها، ونلتزم الصمت ربما يقضى غيرنا، حاجتنا.. هى الفرصة الأخيرة للخروج من حالة "التسكيت" التي يفرضها البيت الأبيض على العرب، وتفرضها الحكومات العربية على شعوبها، وتمنعها من التحشد لنصرة فلسطين ووقف المجازر، على الرغم من أن الضغط الشعبي، يضيف إلى الأنظمة العربية أوراقا من الضغط الهائل، على أمريكا وإسرائيل.. هناك صمت عربي ينتظر تحرك من ترامب في اتجاه إدخال المساعدات ووقف الحرب، رغم أن الأخير يشارك في قتل الفلسطينيين وتجويعهم منذ أن تولى مقعده في البيت الأبيض، ماضيا (حتى الآن) في طريق الدماء الذي عبده سلفه الرئيس بايدن.. هناك صمت يخرق الأعين، يخشى من صوت عال يأتي من واشنطن، ينذر مهددا: أسكت ساكت.
الفرصة مواتية للقادة العرب، للإصطفاف مع أوروبا في الضغط على إسرائيل، والأوراق العربية متعددة ومتنوعة، في ظل وعود وعهود ترامب، وإذا أهدرنا الفرصة التي هيأتها لنا العواصم الأوربية، فلن نتأهل إلى مربع المستقبل، ونبقى كما نحن مجرد "كمالة عدد" في نظر أمريكا وأوروبا وإسرائيل، لديهم من المال ما يستوجب ابتزازهم وإخضاعهم للصمت، على طريقة: أسكت ساكت.
------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم