21 - 05 - 2025

ماما أمريكا وخالتو أوروبا

ماما أمريكا وخالتو أوروبا

وكأنها كانت في سبات عميق لأكثر من عام ونصف ثم استيقظت الدول الأوربية لتتفاجأ بحرب الإبادة والتجويع والتدمير في غزة ..

وكأنها صدمت لأول مرة ولم تتابع حصاد الكراهية والوحشية التى تقفز أعداد ضحاياها يوميا بدون أدنى رحمة أو إنسانية ..وكأنها لم تتابع آلة القتل الإجرامية التي تقصف ليل نهار القطاع المنكوب فتقتل وتدمر كل مافيه من بشر وحجر ..

لم يكن الصمت تجاهلا ولم يكن غض الطرف عن غفوة، لكنه كان تواطؤا صريحا ودعما واضحا لاستمرار حرب الإبادة بمباركة فجة، لايثنيها رأى الشعوب الغاضبة ولا يزعزعها إحتجاجات ضخمة تصرخ بالمطالبة بوقف الحرب، وكف يد إسرائيل الإجرامية ضد الشعب المحاصر المنكوب .

هل كانت تنتظر أن يصل الدمار لتلك الحالة وأن يقفز عدد الضحايا لرقم بعينه !! هل إكتفت بعدما تم هدم القطاع بأسره، فلم تعد هناك بيوتا تصلح لإيواء سكانها ولم تعد هناك أماكن آمنة وقفز عدد الشهداء والمصابين لأكثر من 174 ألف شهيد، بينما يعانى يحاصر ماتبقى من أحياء خناق الجوع والعطش والمرض والدمار ..

أكثر من عام ونصف والوضع المأساوى يتفاقم يوما بعد آخر .. لم يتحرك أحد لنجدة الشعب المنكوب، ولم يضرب أحد على يد إسرائيل حتى تضطر لوقف الحرب، ولم يضغط أحد عليها لإدخال المساعدات ..

فجأة استيقظ ضمير العالم أو بالأصح إدعى اليقظة في تمثيلية ممجوجة يرفضها العقل ولا تمس المشاعر ولا يقبلها القلب ..

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعلن فجأة عن شعوره بالإحباط من الحرب في غزة وعن إنزعاجه من صور معاناة الأطفال ويطلب من رئيس الوزراء نتنياهو _ عبر مساعديه _ إنهاء الحرب، بل ويهدد بالتخلى عن إسرائيل إذا لم توقفها !!

وكأن تلك الكلمات الجوفاء هي أقصى مايستطيعه .. وكأن العالم لا يعرف حجم الدعم المادى والحربى والإستخباراتى والدبلوماسى الذى لا يتوقف ولن يتوقف لإسرائيل، وكأن العالم لايعرف أن كلمات ترامب ماهى إلا لعبة مكشوفة لا تلبث أن تتغير بسرعة، إذا ما اقتضت الحاجة أو تعرض الطفل المدلل للخطر حتى لو كان إدعاء وكذبا !!

هكذا تبدو ماما أمريكا دوما .. وعلى دربها تسير الدول الأوربية لتبدو أقرب للخالة الرءوم التي لايتوقف دعمها وعطاؤها وحمايتها.

لأكثر من عام ونصف والحال لم يتغير ..لم تثنِ زعماء أوروبا إحتجاجات شعوبها ولم يغير موقفهم خروج المظاهرات الحاشدة المنددة بالحرب، المطالبة بوقفها وإدخال المساعدات للشعب المحاصر بين نيران الحرب وألم التجويع ..

فجأة كشرت الدول الأوربية عن أنيابها أو إن شئنا الدقة عبست بشكل مصطنع في وجه إسرائيل .. فاعترضت كل من بريطانيا وفرنسا وكندا في بيان مشترك على التوسع في العمليات العسكرية في غزة، وأكدت أن كمية الغذاء التي سمحت إسرائيل بإدخالها لغزة غير كافية .. وحذروا من أنهم لن يقفوا مكتوفى الأيدى إزاء الأفعال المشينة لحكومة نتنياهو، ملوحين بإجراءات ملموسة إذا لم تبادر إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية وإدخال المساعدات !!

بالطبع لم يكشفوا عن تلك الإجراءات الملموسة لأنها ببساطة لا وجود لها ..

لن ينطلى بالطبع على أحد ما أعلنته بريطانيا عن تعليق مفاوضاتها التجارية مع إسرائيل ، ولا ما أعلنه الإتحاد الأوروبى عن مراجعته لشراكته معها على خلفية مايحدث في غزة .. فكلها مجرد تلويح بالكلمات لن تترجمها مواقف حازمة، تماما مثل كلمات الشجب والإدانة التي ينطق بها زعماء الدول العربية !!

جاء الرد الإسرائيلي ليكشف مدى هشاشة الموقف الأوروبى، مؤكدا أن مقاوضات اتفاق التجارة الحرة مع بريطانيا لم تكن تحرز تقدما قبل إعلان تعليقها، وأن الضغوط الخارجية لن تثنى إسرائيل عن مسارها في الدفاع عن وجودها وأمنها ضد الأعداء الذين يسعون لتدميرها !!

الغريب أن العرب وحدهم من رحبوا بالموقف الأوروبى وانطلى عليهم جديته، فأسرعت اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة بالترحيب بالبيان المشترك الذى أصدرته بريطانيا وفرنسا وكندا بشأن الوضع في غزة والدعوة لإنهاء الحرب وإدخال المساعدات .

لا غرابة أيضا في ذلك الترحيب، حتى وإن كان الموقف الاوروبى ضعيفا ومتأخرا وربما جاء بعد فوت الأوان، لن يغير من مأساوية الوضع شيئا وإن تعلق به البعض كطوق نجاة وبريق أمل سرعان مايتحول إلى سراب ..

لن تحل القضية إلا بموقف عربى جاد، ولن تنتهى الحرب إلا بقرار عربى حازم وموحد، ولن تدخل المساعدات إلا باستخدام كل أوراق الضغط العربية ..

للأسف لن يحدث ذلك ببساطة لأننا نفتقد لإرادة عربية حقيقية تدرك حجم الخطر وتنأى عن مصالح حكامها الشخصية وتقدر خبث وخطورة مايخطط لها، وأن حياة الأمة كلها على شفا الهلاك، وأن المخطط الخبيث لتدميرها واضح لايخفيه العدو . ولكن أحدا لايريد التنبه للخطر .. فحماية العروش أهم عندهم من حياة الأمم والشعوب، وتلك هي الكارثة والسبب الذى يكمن فيه كل بلاوينا ومآسينا.
--------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

ماما أمريكا وخالتو أوروبا