في الوقت الذي تُثقل فيه جيوب المواطنين بالضرائب، وتتآكل فيه مدخرات الطبقة الوسطى تحت سطوة التضخم، تهزّ مصر واحدة من أكبر قضايا السرقة التي طالت شخصية أكاديمية عامة تُعد من رموز التعليم الخاص في البلاد: الدكتورة نوال الدجوي، رئيسة مجلس أمناء جامعة MSA، التي أبلغت عن سرقة نحو 50 مليون جنيه مصري، 3 ملايين دولار، 350 ألف جنيه إسترليني، و15 كجم ذهب من فيلتها داخل كمبوند فاخر في مدينة 6 أكتوبر.
الواقعة، رغم ما فيها من غرابة وتشويق بوليسي، تفتح الباب واسعًا لسؤال خطير لا يمكن تجاهله: من أين جاءت كل هذه الأموال؟ وهل تم التصريح بها؟ وهل دفعت عنها ضرائب؟
---
خلف جدران الكمبوند: المال الذي لا يُرى ولا يُحسب
اللافت في هذه القضية ليس فقط حجم الأموال المفقودة، بل أيضًا الكيفية التي كانت تُحتفظ بها. الأموال لم تكن في حسابات مصرفية تحت رقابة البنك المركزي أو الجهاز المصرفي، بل "كاش" ومصوغات ذهبية، مخبأة داخل خزائن بفيلا سكنية. هذا النمط من التكديس المالي خارج المنظومة الرسمية يفتح الباب لتهم التهرب الضريبي وغسل الأموال.
قانونًا، إخفاء أموال بهذه الضخامة دون الإبلاغ عنها يُعد جريمة:
المادة 133 من قانون الضريبة على الدخل (91 لسنة 2005):
حبس من 6 أشهر إلى 5 سنوات + غرامة تعادل الضريبة المستحقة.
المادة 135:
تشديد العقوبة إذا ارتبط الإخفاء بتزوير أو فواتير وهمية.
قانون مكافحة غسل الأموال (80 لسنة 2002):
حبس من 3 إلى 7 سنوات + غرامة لا تقل عن مثلي المال + مصادرة.
الدستور المصري – المادة 38:
“الضرائب والتكاليف العامة واجب وطني... وكل تهرب يُعد مخالفة دستورية وقانونية”.
---
اقتصاد يُنهب من طرفيه: من يكدحون ومن يهربون
في بلد يعاني من تضخم تجاوز 35%، وانهيار العملة المحلية، وغلاء غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات، يُصدم المواطن البسيط حين يسمع أن أكاديميةً معروفة، تُعد من رموز "التعليم المستقل"، كانت تحتفظ بثروات طائلة في صورة نقدية ومعدنية بعيدًا عن الدولة والبنوك.
في نفس الأسبوع الذي وقعت فيه هذه الحادثة، تم الإعلان عن فرض رسوم جديدة على السلع الأساسية، والحديث عن تحرير دعم الخبز تدريجيًا. المواطن الذي يُسحب من راتبه ضرائب بشكل أوتوماتيكي، ويراقَب على تحويلاته الصغيرة، يتساءل:
من يراقب هؤلاء؟ ومن يُحاسب؟
---
من هي نوال الدجوي؟ وهل تصبح رمزًا لانكشاف فجوة العدالة الاقتصادية؟
د. نوال الدجوي ليست شخصية هامشية. هي مؤسسة ورئيسة مجلس إدارة مجموعة مودرن التعليمية، التي تضم جامعة MSA، واحدة من أبرز الجامعات الخاصة في مصر، وتملك نفوذًا واسعًا في أوساط التعليم ورجال الأعمال.
هذه الواقعة قد تُسقط القناع عن جزء من المنظومة الاقتصادية التي يغيب عنها الشفافية، حيث لا يُعرف من يملك ماذا، ولا كيف كوَّن ثروته، ولا لماذا تُعفى بعض الشخصيات من المحاسبة التي يخضع لها "الناس العاديون".
---
بين السرقة والمحاسبة: فرصة نادرة لكشف المستور
الجهات الأمنية تُحقق، والنيابة تُفرغ الكاميرات، لكن الأهم من ذلك كله هو أن يُفتح ملف شرعية هذه الأموال، هل كانت مدفوعة عنها ضرائب؟ هل هي ناتجة عن أرباح معلنة؟ وهل تتماشى مع مبادئ الحوكمة التي يُفترض أن تلتزم بها مؤسسات التعليم الخاص؟
ما حدث ليس مجرد سرقة، بل إنذار لهيئات الدولة:
إما أن تُحاسب الكبار مثلما تُحاسب الصغار، أو تنهار الثقة بالمجتمع والدولة معًا.
---
كلمة أخيرة:
هذه القضية ليست ضد نوال الدجوي كشخص، بل ضد نموذج كامل من "الاقتصاد الموازي" الذي ينمو في الظل، ويزدهر في صمت، بينما تدفع الأغلبية ثمن التضخم، وسوء السياسات، وغياب العدالة الضريبية.
إنها لحظة نادرة يجب أن تُستغل لا لمحاكمة سارق الفيلا فقط، بل لمراجعة منظومة اقتصادية كاملة تُدار خارج دفاتر الدولة.
---------------------------
بقلم: محمد عبدالحميد