19 - 05 - 2025

مؤشرات | الجاسوس "كوهين" والملف المخابراتي السوري ومخاوف مشروعة

مؤشرات | الجاسوس

عقلي وقلبي يقولان إن هناك مخاطر قادمة على كل المنطقة من تسريب أو قل تهريب والسطو على ملف الجاسوس الصهيوني " إيلي كوهين"، وهو ما يعني أن هناك اختراق أو اختراقات عديدة ومتنوعة حدثت بالأرشيف المخابراتي السوري في الشهور الماضية، منذ سقوط نظام الأسد، ودخول نظام "الجولاني" لإدارة سوريا.

ما حدث في تسريب أكثر من ألفي وثيقة تخص الجاسوس "كوهين"، هي جريمة متكاملة الأركان شاركت فيها أطراف عديدة، فإلى جانب المخابرات الصهيونية "الموساد، حتما هناك أدوار أخرى لمخابرات خارجية، إلى جانب أطراف من الداخل السوري، وربما باتفاق على أعلى المستويات، في إطار محاولة "النظام الانتقالي المؤقت" في سوريا لتبيض وجهه أمام الكيان الصهيوني، وطبعاً أمام الولايات المتحدة الأمريكية، والحديث عن اقتراب التطبيع بين سوريا والكيان المحتل.

والأخطر في ملف الاختراق الصهيوني لسوريا بمعاونة أطراف بالداخل والسطو على الارشيف السوري المخابراتي هو وجود مخاوف عن مؤشرات بشأن أضرار محتملة بأطراف في الاقليم العربي، وهو ما يستلزم الحذر في المرحلة المقبلة.

أدرك أن الأجهزة المصرية واعية جدا بشأن مثل تلك الملفات، فهناك دور مصري كبير في ملف "إيلي كوهين"، وعملية القبض عليه قبل ستة عقود، وإعدامه قبل 60 عاما بالتحديد، ولكن يبقى الأمر كله مرهون بملفات تعاون أخرى ليس بين المخابرات المصرية ونظيرتها السورية، بل وأجهزة عربية أخرى في دول المواجهة مع العدو الصهيوني.

أخشى أن يكون ملف "إيلي كوهين"، ليس إلا مجرد نموذج لملفات طالتها الأيادي الصهيونية بالتعاون مع خونة، ليس بالضرورة أن يكونوا في مناصب رسمية، بل متعاونين، وهو ما يتطلب سرعة المواجهة في ملفات متعددة، قد تمثل ضرراً بأمننا الوطني، وأمن الأمة.

في كل دول العالم، مهما تغيَّرت الأنظمة فإن الملفات الأمنية الكبرى والمخابراتية بالذات، وخصوصاً إذا كانت تخص دولاً هم في جانب المصنفين أعداء، تظل من الأسرار، بل سر الأسرار، ويبقى الأرشيف المخابراتي في يد أمناء على كل وطن.

والتجارب عبر التاريخ تثبت ذلك، حتى في حال وصول نظام مغاير، ومختلف كلياً عن النظام السابق له، لأن ذلك يمثل مصير أمة، إلا أن ما جرى في السطو على ملف "كوهين" من أرشيف المخابرات السورية، لم يسبق أن شهده العالم، خصوصاً أن "كوهين" كان من أخطر الجواسيس الصهيونية، التي تم زراعتها في دمشق، وتولي مناصب عليا، واقترب في مرحلة ما أن يتولى منصباً رسمياً، وكان مؤهلاً لذلك.

وتاريخ الجاسوس الصهيوني "إيلي كوهين" الذي تم زراعته في سوريا قبل نكسة 1967 بسنوات، يقول أنه تم اكتشافه في العام 1965 بتعاون مخابراتي مصري سوري من خلال صور تم نشرها عن زيارة عسكرية شارك فيها لهضبة الجولان، قبل الاحتلال الصهيوني لها بنحو عامين، لتبدأ بعدها جهود جبارة، حتى تم القبض عليه، ومحاكمته وإعدامه.

ورغم سرية ملف "إيلي كوهين" إلا أن الموساد الصهيوني، وفي عملية سرية سطا في الشهور الأخيرة على ما يزيد عن 2000 وثيقة وصورة ومحتويات شخصية للجاسوس ومنها قرارات حكم الإعدام وتنفيذه، ووصيته في خطاب لزوجته، وهو ما بدأت تنشره وسائل إعلام صهيونية، خلال الأيام الأخيرة.

وحتى الآن لم يتم الكشف عن تفاصيل كيفية السطو الصهيوني على ملف "إيلي كوهين" من أرشيف المخابرات السورية، والمؤكد أن هناك أسراراً وأطرافاً عديدة شاركت في ذلك، وحتما هناك من باع وهناك من اشتري، وهناك من ساعد أيضاً، والمشتري واضح وضوح الشمس وهم "الصهاينة، بينما سيظل من باع ومن ساعد، سؤالاً مطروحاَ.

الوضع مقلق جداً في كل ما يتعلق بهذا الملف الخطير، ولكن هناك ما هو أخطر، خصوصاً أن أرشيف المخابرات السوري بالضرورة فيه الكثير، وكان هناك خطوط تماس وتعاون مع أجهزة عربية مماثلة أخرى، والعداء مع الكيان الصهيوني مازال قائماً ولم ينته، باعتباره حتى اللحظة هو قوة احتلال للأراضي العربية في فلسطين والجولان على سبيل المثال، وتوسع مؤخرا في أراضي جديدة، ولديه المزيد من الأطماع التي لا تنتهي.

والدور الوطني لأجهزة مخابراتنا لا يمكن أن يشكك أحد فيه، ويبقى دق ناقوس الخطر والمخاطر مهم في مثل هذه اللحظات، وبالذات مع ما جرى ويجري بالعبث في الأرشيف السوري المخابراتي، فأمن بلادنا خط أحمر، وبخاصة مع مثل هذه الفوضى التي طالت ملف الجاسوس "إيلي كوهين"، والذي لمصر في كشفه دور معلوم، دونته مذكرات وكتب علمية عديدة.
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | الجاسوس