18 - 05 - 2025

عقد الخواجة

عقد الخواجة

على مدى ما يقرب من خمسمئة يوم، تُدَك غزة. في البداية، كان الدافع المعلن هو الرهائن، ثم بعد ذلك تم التصريح بالهدف الحقيقي؛ حيث صرحت إسرائيل بأنها تريد التهجير وإعادة احتلال الأرض. ظلت المقاومة ثابتة، تفعل الأفاعيل حتى لا تقع غزة في يد المحتل، إلى أن استشهد القادة استشهادًا مشرفًا. لم تستسلم المقاومة، بل استمرت على خط المواجهة، والعالم يقف متفرجًا، إلا أقلية قليلة تدافع وتدين وتستنكر.

بعض الدول هددت بالاعتراف بدولة فلسطين، والبعض منع التبادل التجاري مع المحتل، والبعض طرق باب محكمة العدل الدولية كدولة جنوب إفريقيا، والبعض الآخر وقف يسب القانون الدولي والدعم الأمريكي غير المشروط، ودولة واحدة فقط هي التي أطلقت صواريخها تجاه إسرائيل، كانت تلك الدولة هى اليمن، رغم كل ما تلاقيه من اضطهاد دولي وتهديدات كفيلة بالقضاء عليها.

وما بين جلسات التفاوض والترهات السياسية في برلمانات العالم، وبعض الصواريخ التي قد تصل لأهدافها وقد لا تصل، كان الآلاف يموتون من التفجير، والجوع، والمرض!

العالم كله لا يملك شيئًا يقدمه لغزة، إلا إطالة أمد الشعارات والجعجعات، عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. كل هذا حتى استيقظ الضمير الصهيوني في بعض أفئدة بشرية، وخرج بعض اليهود حول دول العالم، وفي إسرائيل نفسها، يلوحون بصور أطفال غزة الذين أخذت الحرب أرواحهم!

العالم الآن يعيش على صفيحٍ ساخن، ولا حياة لمن تنادي. المظاهرات تجتاح دولًا كثيرة حول العالم، حتى في أمريكا نفسها، وداخل دولة إسرائيل، ولا يزال السلاح الصهيو-أمريكي يجتث رقاب المسالمين داخل أراضيهم، ولا تزال طائراتهم ترسل قنابل الموت لتسوية البيوت بالأرض، فهم يريدون غزة بلا ملامح، وقد أعلنها ترامب بكل عته: "نريدها أرضًا للحرية!". أي حرية تلك التي تأتي بعد سحق كامل للإنسانية.. بعد سرقة علنية لأرض عربية.. بعد اغتصاب الطفولة والاستخفاف بالإنسانية؟!

هذا ويأتي الحكام العرب الأشاوس، يستقبلون ترامب استقبالًا أسطوريًّا، يغدقون عليه من الهدايا والعطايا ما لا يستطيع حمله، هذا إلى جانب الهبرة الكبرى، أموالٌ دولارية تصبّ في بنوك الولايات المتحدة التي تدعم الحرب على غزة، والتي لولا وقوفها بجانب المحتل، لكانت إسرائيل في خبر كان، على يد جماعة كل ما تقتنيه من أسلحة صنع يدويًّا.

يدعم رجالنا "حكام العرب" اقتصاد أمريكا، فيقرر ترامب، بمجرد وصوله الولايات المتحدة، منح الجيش تريليون دولار. هذا الجيش الذي تسبب في تدمير المنطقة العربية ولا يزال، سواء في العراق، أو لبنان، أو سوريا، وحتى اليمن، ناهيك عمّا يحدث في غزة، يدعمه الحكام دعمًا علنيًّا. هذا إلى جانب الطامة الكبري، التي تتمثل في عدم قدرتهم على إدخال زجاجة ماء إلى أرض غزة.

العالم كله يرفض الحرب، حتى أمريكا نفسها لم تعد تشعر بجدوى حربٍ استمرت ما يقرب من عامٍ ونصف، ولكنها رغبة شخصية لنتنياهو، رجل أمريكا المدلل. رغبة رجل واحد تدفع غزة إلى ما يتجاوز ٥٠ ألف شهيد و٢٠٠ ألف مصاب؛ حتى يحقق هذا الوغد أمانيه، وينفق حكام العرب ما يقرب من ٤ تريليون دولار حتى تهدأ نوباته. وتلك الرغبة مصدرها خوفه على مستقبله السياسي، وسعيه لتحقيق أحلامه الاستعمارية.

دفع العرب تكاليف الحرب على العرب، مع مكافآت عينية ومادية للمتآمرين! هؤلاء لم يتحرك واحد منهم لنصرة غزة. لم يفكر أيٌّ منهم في صناعة اتحاد عربي يواجه بيروقراطية العالم الغربي. ولم تطرق بالهم مطلقًا فكرة تسليح جيش عربي لمواجهة الشر المتوقع للمنطقة، رغم أنهم يملكون كل أسباب النجاح والوصول.

كل ما استطاعوا فعله أنهم وثّقوا جلوس سيدهم "ترامب" على عرش العروبة. أظن أن السبب الأمثل لاختياراتهم، هو أنهم عبيدٌ، لا يملكون العيش دون سيادة غربية.
---------------------------------
بقلم: رحاب عمر
* روائية مصرية

مقالات اخرى للكاتب

عقد الخواجة