أربعة أيام هي فترة جولة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، في دول الخليج العربي، والتي شملت السعودية والإمارات وقطر، وكانت الحصيلة 4 تريليونات دولار عبارة عن استثمارات تم انجاز أغلبها، والباقي سيتم خلال الفترات المقبلة، ليعلن مفتخراً "لم يسبق أن جمعت جولة ما بين 3.5 إلى 4 تريليونات دولار خلال أربعة أيام فقط".
وهو ما يؤكد أن واشنطن أكبر المستفيدين من حصيلة زيارة ترامب، وفي المرتبة الثانية، تأتي مصالح الكيان الصهيوني، من خلال مطالب التطبيع مع الصهاينة، بينما جاءت باقي القضايا مجرد وعود، وبنبرة استعطاف، وآمال بعيدة المنال، وبالتالي يأتي السؤال الأهم "هل تم توظيف الصفقات وزيارة ترامب وتلبية رغباته فيما يخص العرب وقضاياهم؟..
المؤكد أن الجانب الاقتصادي سيطر على جولة ترامب، وحقق ما أراده، برضا نفس من كل الأطراف، وحقق وعوده لبلاده وناخبيه، وليس من المهم القضايا الأخرى ذات الأولوية بالنسبة لمنطقتنا العربية، والقضية الفلسطينية بشكل أكثر تحديداً.
ففي الوقت الذي كان فيه ترامب يعقد الصفقات، ويروج لأسلحته الحديثة، والقديمة، يشن الكيان الصهيوني عمليات عسكرية ويرتكب مجازر حتى فجر الجمعة 16 مايو على مختلف مناطق بقطاع غزة، خصوصاً مخيم جباليا وبيت لاهيا، ليسقط العديد من الشهداء من المدنيين، بينهم أطفال ونساء، وعشرات الجرحى والمفقودين تحت أنقاض المنازل المدمرة.
بينما يتحدث ترامب، وربما بطرق الضغط لتوقيع المزيد من اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني، معلنا حالة من "الصعبنة" على ما يحدث لسكان غزة، وكأنه يغازل العواطف الإنسانية بقوله في أبوظبي "الولايات المتحدة تسعى لمعالجة الوضع في غزة، فهناك العديد من الأشخاص يتضورون جوعا في القطاع الفلسطيني المحاصر"، وكأنه محاصر عربياً.
الصفقات الاقتصادية كانت المحور الرئيسي لجولة ترامب الأولى خارج الولايات المتحدة منذ توليه فترة رئاسة جديدة مطلع العام الحالي، وحتما كانت هناك مناقشات سياسية، على مائدة المفاوضات، لكن تفاصيلها، والتوظيف الأمثل للجولة، سيظل مطروحا إلى أن يتم شيء على الأرض، فكل الكلمات هي مجرد وعود، وسيظل العدوان الصهيوني الغاشم على الفلسطينيين قائماً، بل ربما سيظل رئيس الوزراء الصهيوني والإرهابي متمسكا بمواقفه العدوانية على الشعب الفلسطيني.
كان الهمّ الأكبر لترامب هو تحقيق أكبر استفادة من زيارته لواشنطن، فبعد أن توصل إلى اتفاقيات متنوعة تصل قيمتها 600 مليار دولار مع السعودية، قال "سأطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهو رجل رائع، أن يزيد المبلغ إلى تريليون دولار، وأعتقد أنهم سيفعلون ذلك لأننا كنا رائعين معهم"، وهو ما وعد به محمد بن سلمان.
ولم ينس ترامب ربيبة أمريكا "الكيان الصهيوني، بقوله " أتمنى أن تطبع السعودية علاقتها مع إسرائيل"، وهو ذات المطلب الذي كان محور الحديث مع رئيس الفترة الانتقالية في سوريا "أحمد الشرع"، خلال مناقشة رفع العقوبات عن دمشق، بل وصل الضغط إلى المطالبة بما أسماه "طرد الإرهابيين الفلسطينيين".
وفي الدوحة وقعت الولايات المتحدة وقطر عددا من الاتفاقيات التي ستحقق تبادلا في مجالات اقتصادية متنوعة بقيمة 1.2 تريليون دولار، منها صفقة شراء 160 طائرة بوينج بقيمة 200 مليار دولار للخطوط القطرية، بل والغريب أن تتعهد قطر باستثمار 10 مليارات دولار في قاعدة العديد الجوية الأمريكية والواقعة على الأراضي القطرية.
وفي المحطة الثالثة لترامب في الإمارات قوبل بوعود رسمية عن اعتزام الإمارات استثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة على مدى عشر سنوات قادمة، وابرام صفقات بقيمة 200 مليار دولار، منها صفقة ضخمة لشراء اشباه الموصلات للذكاء الاصطناعي، وصفقة طائرات بيونج لصالح طيران الإتحاد بواقع 28 طائرة بوينج بقيمة 14.5 مليار دولار.
ولم تخل جولة وتصريحات ترامب من لغة التهديد، ففي خطاب لجنود أمريكيين في قاعدة العديد بقطر قال "لن أتردد أبدا في استخدام القوة الأمريكية إذا لزم الأمر للدفاع عن الولايات المتحدة أو شركائنا"، وفي موقع أخر قال "قد ستستأنف الولايات المتحدة العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن في حال شنوا هجوماً في أعقاب الاتفاق المشترك برعاية عمانية".
ومن بجاحات ترامب إعادة تكرار أطماعه وأطماع الصهاينة في غزة، وهو ما قاله سابقا دون أن يشير إلى أي تقدم حدث في الملف الفلسطيني، قائلا "على الولايات المتحدة أخذ قطاع غزة وتحويله إلى – ما اسماه- منطقة حرية.
القراءة المبدئية لنتائج جولة ترامب في الخليج، تشير إلى أنه نجح في توظيفها لصالح بلاده، بالحصول على تمويلات ضخمة وتاريخية، وبناء علاقات تحقق ما يطمح له في المنطقة، مع الحصول على وعود لاتفاقيات تطبيع مع الكيان الصهيوني، والسعي لتحييد سوريا مع تنازلات واسعة، بينما ظلت القضية الفلسطينية في آخر القائمة بمجرد وعود سيكون الحاكم فيها الحكومة الصهيونية، .. وربما تكشف الأيام عن أشياء أخرى.. ورفت الزيارة شعار "مصلحتي أولا" لكل المفاوضين خلال الجولة.. وقد يكون هذ حق، لكن حتما هناك ضحايا.
----------------------
بقلم: محمود الحضري