تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وبإشراف الدكتور أشرف العزازي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، نظم المجلس ندوة بعنوان "جحا المصري.. تراث ممتد عبر العصور: من التراث إلى الذكاء الاصطناعي"، وذلك ضمن فعاليات لجنة التراث الثقافي غير المادي (الفنون الشعبية)، برئاسة الدكتور محمد شبانة، وأدارها الدكتور طارق صالح، عميد كلية الفنون والتصميم بجامعة MSA، وأستاذ التصميم بكلية الفنون التطبيقية – جامعة حلوان، وعضو اللجنة.
افتتح الدكتور طارق صالح اللقاء بالتأكيد على أهمية تحويل التراث الثقافي المصري إلى مورد اقتصادي فاعل يساهم في الناتج القومي، مشيرًا إلى ضرورة إعادة توظيف الموروث الشعبي ليواكب متطلبات العصر الرقمي.
وقدّم الدكتور حسن الفداوي، الأستاذ المتفرغ بكلية الفنون الجميلة – جامعة الإسكندرية، ورقة بحثية بعنوان "جحا في بحر المعلومات السائلة: منارة التأصيل في زمن التشبع"، ناقش فيها مفهوم "الحداثة السائلة" للفيلسوف زيجمونت باومان، وارتباطها بالتشبع المعلوماتي في ظل تدفق الوسائط الرقمية. وأكد الفداوي أن شخصية جحا التراثية، برغم طابعها الساخر، يمكن أن تمثل قيمة جوهرية في تأصيل المعلومة، من خلال ما تحمله من حكمة نقدية وبساطة تكشف الزيف والتناقض، في مواجهة تعقيد الواقع الرقمي.
وسلط الضوء على تحليلات مفكرين مثل نيل بوستمان ونيكولاس كار وبيونغ تشول هان، الذين حذروا من التحول الرقمي إلى أداة ترفيهية مفرطة تضعف التركيز النقدي، مؤكدًا الحاجة إلى العودة للجذور الثقافية في ظل هذا "الفيضان المعرفي".
من جهته، تناول الدكتور عمرو منير، أستاذ التاريخ والتراث بجامعة جنوب الوادي وعضو اللجنة، الأبعاد التاريخية لشخصية جحا في الثقافة العربية، مشيرًا إلى ظهورها في السير الشعبية منذ القرن الأول الهجري، ومبرزًا اختلاف الشخصية المصرية في نموذج "قراقوش"، الذي كتب عنه ابن مماتي، مؤكدًا خصوصيته في التراث المصري مقارنة بشخصية جحا التي وردت في ثقافات متعددة.
أما الدكتور مسعود شومان، رئيس الإدارة المركزية للشؤون الثقافية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، فقد قدّم قراءة في شخصية جحا من منظور الفلكلور الشعبي، مشيرًا إلى وجود شخصية "كيدولا" أو "أكيدولا" في التراث المصري، والتي ترمز إلى الذكاء والمراوغة، موضحًا أنها تمثل جانبًا من الأقنعة الرمزية التي تنطوي على ثنائيات ثقافية كالساخر والولي والسياسي والمتحامق.
واختُتمت الندوة بكلمة للدكتور محمد شبانة، الذي أبدى تحفظه حيال الذكاء الاصطناعي في ظل غياب أرشيف رقمي موثق للتراث، داعيًا إلى ضرورة تأسيس بنية معرفية قادرة على خدمة التطور التكنولوجي، وحث الشباب على الانخراط بوعي في هذه المرحلة المفصلية.