17 - 05 - 2025

ضوء | الدين لله والوطن للجميع

ضوء | الدين لله والوطن للجميع

ماذا يعني (الدين لله)؟ يعني أنَّ علاقة العبد بربه مباشرة، وأنَّ الله - وحده - من يحاسب ويعاقب ويجزي ويثيب، وليس من حق أي مخلوق التدخل بين العبد وربه.

وديننا الإسلامي تميّز من بين جميع الأديان في جعل العلاقة بين الله والإنسان مباشرة بلا وسيط.

و (الوطن للجميع) يعني أنَّ من حق المواطن أيًّا كان جنسه أو لونه أو دينه أو مذهبه أن يعيش بأمن وأمان في وطنه، وعليه من الواجبات وله من الحقوق كحال الجميع سواسية.

وللأسف لا يوجد أي نظام عربي يفعّل شعار (الدين لله، والوطن للجميع)، ولا نرى ممارسات أي نظام عربي لتعزيز مفهوم أنَّ (الدين هو المعاملة)، وأنَّ الإسلام هو دين الوسطية، وهو قائم على اليسر لا العسر، وأنَّ الدين جاء لإعمال العقل، بل نرى أن الأنظمة العربية تقول عكس ما تفعل تمامًا، وينطبق عليها المثل المصري: أسمع كلامك يعجبني، أشوف أفعالك أتعجب؛ حيث تقول إنَّها مع الوسطية، وإن الوطن للجميع، لكنها بعضها يدعم الحركات المتطرفة والإسلام السياسي في الخفاء؛ والبعض الاخر يدعم الصهيونية، لتحقيق المصالح بالطبع، لكن ما إن يشكّل هذا النوع من الإسلام خطرًا عليها حتى تبادر إلى محاربته، فإذا ما شعرت أن الحركات القومية قد قويت شوكتها قليلاً، تعود مجددًا للتحالف مع الإسلام السياسي لضرب المعارضة، وهكذا دواليك.

إن كل نظام يستغل الدين بشكل يتناسب مع وضعه؛ فإذا أصبحت الحركة المعارضة في بلد ما أغلبيتها من الطائفة السنية ضربتها بالتحالف مع الطائفة الشيعية، كما حدث في العراق، والعكس صحيح، فإن أصبحت المعارضة أغلبها من الطائفة الشيعية لجأ النظام إلى رجال الدين من الطائفة الأخرى لاستجلاب وحشد قواهم من أجل مساندة النظام، ولتأليب الوضع وتحويله إلى صراع طائفي لا سياسي. كل ذلك من أجل تعزيز شعار: الدين لهم والوطن لهم ولمن يتبعهم.

وإذا ساد هذا المفهوم، وحلّ مكان (الدين لله، والوطن للجميع)، صار القتل على الهوية أمرًا طبيعيًّا، كما حدث في لبنان إبان الحرب الأهلية، وكما حدث في أفغانستان والعراق إبان الاحتلال الأمريكي وبعده، وكما حدث في سوريا، وكما حدث في بعض الأقطار العربية، بل ويعاني الفرد من الاضطهاد بسبب اختلاف اللهجة، وأحياناً يحدث القتل حتى على الاسم والملبس، حتى صرنا نتداول طرفة عن حوار يدور بين عراقي وسوري؛ إذ يشكو السوري قائلا: (إنه يموت يوميًا من البرد والصقيع، فيرد العراقي عليه قائلاً: أنت يا خوي أحسن مني، أنا إن لبست شماغ يقتلني الشيعي، وإن لبست عمامة يقتلني السني، وإن لبست عباية يقتلني الكردي، وإن لبست أي شيءٍ تقتلني المتفجرات، وإذا لم ألبس شيئًا يقتلني البرد).

وشر البلية ما يُبكي.

أعتقد أنَّ شعار (الدين لله، والوطن للجميع) كان له دور كبير في أن تكون المجتمعات العربية آنذاك ذات صبغة متجانسة ومتوائمة مع ذاتها، وهذا الشعار الذي تبناه الزعيم الراحل (عبد الناصر) كان له أثر إيجابي في النهضة العربية، وتم رفع ذلك الشعار منذ منتصف الخمسينات وحتى نهاية السبعينات؛ فكانت العلاقات الاجتماعية السائدة متجانسة بين الناس، وكان مفهوم المواطنة يُمارس بشكل فعلي تطبيقي على الواقع، ولم يكن الجار يستعلم عن مذهب جاره، بل عن أخلاقه وتعامله.

وما قبل تلك الفترة كانت تسود الفوارق القبلية والطبقية، فكان الاقتران بأبناء العمومة وبمن هم من طبقة اجتماعية متقاربة هو السائد، وبعد تلك الفترة أصبحت تسود الفوارق المذهبية والطائفية، حتى علت وغلبت الفوارق الطبقية، وكان للمدّ القومي دورٌ أساسيٌّ في تعزيز روح المواطنة وتطبيق الحقوق والواجبات سواسية على كافة الأفراد في مختلف الأديان والطوائف.

إن تفعيل شعار (الدين لله، والوطن للجميع) هو خلاص للأنظمة والشعوب العربية قاطبة من هذا البطش الذاتي والضياع العاتي.
-------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
*سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الأوروبية للسلام والتنمية


مقالات اخرى للكاتب

ضوء | ما بين العربي والغربي (١)