17 - 05 - 2025

"الاستثناء والقاعدة" في الكرة والسياسة والاقتصاد

أعادني قرار لجنة التظلمات الخاص بنقاط الأهلي الثلاث، إلى مسرحية "الاستثناء و القاعدة" للكاتب الإلماني برتولد برشت، أو"بريخت"،كما ننطقه بالعربية.

هل الإنسانية استثناء أم قاعدة؟ سأل بريخت..وهل عدالة التنافس في كرة القدم استثناء أم قاعدة؟ كثيرون يتساءلون.

وبين الاستثناء والقاعدة تدور الحياة الرياضية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في مصر.

في الكرة، ارتكب الزمالك مخالفة الانسحاب من مباريات الدوري العام ثلاث مرات أعوام 2024،2020،2018، وطُبِقَتْ عليه عقوبة خصم النقاط الست وفقا للوائح المعمول بها.. لم يدخر اتحاد كرة القدم وقتا أو جهدا لإصدار قرار العقوبة على الزمالك.. فاللوائح لا لبس فيها وتقضي بوجوب معاقبة المنسحب على النحو الذي تم ثلاث مرات بمعرفة أتحاد هاني أبو ريدة، الذي استقال بعد خروج المنتخب المصري من الدور الأول لبطولة أمم أفريقيا التي استضافتها مصر، ثم اتحاد اللجنة المعينة لإدارة شئون اتحاد الكرة بقيادة عمرو الجنايني، وأخيرا بمعرفة رابطة الأندية، الموسم الماضي، بقيادة احمد دياب، التي تم تشكيلها منذ ثلاث سنوات لإدارة مسابقة الدوري العام.. هكذا هي القاعدة المعمول بها في حالة إنسحاب أي فريق من مباراة في الدوري.

إلا أن الرأي العام فوجئ بأن لتلك القاعدة استثناء، عندما انسحب الأهلي هذا الموسم أمام الزمالك، ولم يطبق عليه العقوبة بخصم النقاط الست بسبب انسحابه من اللعب أمام الزمالك. اللوائح التي خصمت من الزمالك 6 نقاط في المواسم التي انسحب فيها كشفت عن وجود استثناءات في تطبيق القاعدة، تستند إلى بند في فقرة ما، يتذرع بأسباب قهرية، منعت الأهلي من خوض اللقاء، ما رأت معه لجنة التظلمات تطبيق نصف عقوبة الانسحاب بخصم ثلاث نقاط فقط دون الثلاث الأخرى نهاية الموسم.. القواعد في لوائح مسابقة الدوري الممتاز، تتمدد بالقواعد الضابطة والحكمة، وتنكمش بالخوف والرعب من أمام أصحاب السطوة والنفوذ، وتكشف في بنودها أن هناك استثناء هو الأهلي.. الأخير يستحق الاستثناء وفقا لقواعد التمدد والإنكماش، وأي ناد في مصر لديه ما لدى الأهلي من أوراق قوة ونفوذ، حتما ينتزع "الاستثناء" كحق أصيل، له مبرراته الجماهيرية والمادية، ولا مانع من"الفنية".

ـ في الحياة الاجتماعية، لم يعد الطبيب والمعلم والمهندس هم الجالسين على أعلى درجات السلم الاجتماعي، فقد أزاحهم عنها لاعبو الكرة ومطربو الأفراح وتجار البضائع المهربة.. المال أصبح "قاعدة"الصعود والترقي الاجتماعي، وما عداه استثناء في حياة المصريين.

ـ في الاقتصاد، يُجَرِمْ التشريع الاحتكار، ورغم ذلك هناك من رجال الأعمال والهيئات السيادية من يحتكر إنتاج سلع بعينها، وتصديرها، تحت حماية "الاستثناء" الذي تم اختراعه بواسطة اللوائح التنفيذية التي يضعها الوزراء لتفسير وتطبيق التشريع الذي يقره البرلمان.. الاحتكار اصبح سمة الاقتصاد، ولم يعد استثناءً.

ـ في الحياة السياسية، لم تعد حرية الرأي واحدة من ضمن"قواعد" العمل السياسي، إنما باتت استثناء، وإذا كانت الحريات ممكنة بقواعد دستور 2014، فمن الممكن أن نجد وجود أشياء غير ممكنة، أقلها حرية الكلمة، خصوصا إذا كانت معارضة لتوجهات السلطة التنفيذية.. التقييد على الرأي بات القاعدة، والحرية باتت إستثناءً.

لكل ماسبق، تنتابني الدهشة من هؤلاء "المندهشين" من قرار لجنة التظلمات، الذي يعتبره كُثُر "كيلا بمكيالين" يزيد من حالة الاحتقان الكروي، التي تتصاعد، موسما بعد الآخر منذ أن تولت رابطة الأندية مهمة إدارة المسابقة.. أقل دخل لاعب كرة قدم  في الدوري الممتاز يكفيه لحياة كريمة تفيض عليه بميزة الترفيه التي افتقدتها الطبقة الوسطى العريضة في المجتمع المصري.. تحولت الشرائح المتعلمة من الطبقة الوسطى إلى استثناء في الحياة العامة، لا يمكن نفاذها إلى الحياة الكريمة إلا بوساطة أو سلطة المال والنفوذ.

المشاهد متناغمة، وكأنهما ضمن سيناريو واحد، لفيلم مصري ردىء اسمه "الاستثناء والقاعدة" يتم عرضه صبحا ومساء في مختلف قطاعات الأنشطة في الحياة اليومية.

العدالة في المنظور المجتمعي، عدالة"طبقية"، يتمتع بها الأقوياء والأثرياء والمسنودين من قبل السلطة التنفيذية الحاكمة، عدالة لا تصنع إلا مجدا زائفا، كما يقول بريخت في رائعته المسرحية "الاستثناء والقاعدة".
---------------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم

مقالات اخرى للكاتب