16 - 05 - 2025

قادة الندامة

قادة الندامة

لم أجد أدق من تعبير جداتنا لوصف تلك الحال التي وصل إليها أصحاب الجلالة والفخامة والسمو.

لأكثر من عام ونصف ومذابح الشعب المنكوب تؤرق عيوننا وضمائرنا ليل نهار .. صواريخ تقتل وتهدم بيوتا وأحلاما، محارق تشوى أجساد الأبرياء المستضعفين وتحيلها رمادا، نيران تلاحقهم أينما ذهبوا، لا عهد لممرات ولاطرق ولامناطق آمنة. لا عهد لعدو يمارس أقصى وأحط غطرسة للقوة والوحشية والدمار.. حجم الاستهداف لكل الأرض بما فيها من بشر وحجر يكشف عن كم الغل في عقول ونفوس عدو لايعرف الرحمة ولايمكن ردعه باتفاقات سلام تبدو وهمية، أمام مخطط إجرامى قذر واضح وضوح الشمس تعترف به صراحة وبدون مواربة تصريحات قادة العدو لتحيلنا إلى قناعتنا بأن حربنا حرب وجود لاحدود ..نكون فيها أو لانكون.

وسط قتامة ووحشية مايحدث في غزة جاءت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكبر حليف وداعم للعدو، دعما أيضا واضحا وبلا مواربة أو إخفاء أو حتى مراعاة لأبسط القواعد والتصريحات الدبلوماسية التي كان يتبعها سلفه ..

دعما بلا حدود بالسلاح والمال والإستخبارات وحماية من أي مساءلة وأمانا من كل عقاب.

أكثر من عام ونصف ودماء الأشقاء تنزف وحرب إبادتهم لاتتوقف.. يقتلون تحت سمع وبصر العالم، محاصرون بين صواريخ حارقة للأجساد وبطون جائعة وموت يلاحقهم في كل مكان.

لأكثر من عام ونصف، ونحن ننتظر أن يتحرك أصحاب الجلالة والفخامة والسمو لنجدة اشقاء يتعرضون لحرب إبادة، يتخذون موقفا قويا .. أو حتى تصريحات غاضبة، وتقلص الحلم لمجرد التلويح بإستخدام كل مايمتلكونه من أوراق الضغط لإجبار العدو على التوقف عن الحرب.

مات الحلم بمواقف مخزية لاتصد عدوا ولاتردع حليفا ولاتحمى شعبا يباد أمام أعيننا في صمت خانع وغيبة ضمير.

عار الهوان سلمنا لليأس لكن مزيدا منه كان في إنتظارنا .. فجرتها تلك الحفاوة التي استقبل بها قادة العرب الرئيس الأمريكي .. جاءهم في عقر دارهم، موقنا أن أحدا لن يجرؤ على الغضب أو الاحتجاج أو حتى التحفظ على الدعم الكامل لعدوهم في حرب الإبادة.. بل على العكس صافحوا بكل ترحاب يده الملوثة بالدم وبدلا من إدانتها، أغدقوا عليها بالعطايا والهدايا والدعم متخفية على شكل استثمارات وصفقات تجارية وعسكرية.

تقافزت التريليونات بشكل يثير التقزز أكثر مما يثير التعجب والرفض والإستهجان، فى أكبر سوق نخاسة للأوطان ..

ألا أونا ألا دو ألا ترى

600 مليار دولار من السعودية لزعيم بلطجية العالم

شراكة إقتصادية ومئات المليارات لشراء أسلحة ومعدات حربية

طائرة ب400 مليار دولار هدية من أمير قطر لترامب الداعم الأكبر للكيان في حرب الإبادة التي تنقلها شاشة الجزيرة القطرية بالصوت والصورة والصراخ والعويل والدم أمام أعيننا، حتى بتنا في حزن دائم يزيده إحساس بالقهر والضعف والعجز والهوان .. مشاعر يبدو أن أمير قطر لايعرفها، وأنه ببساطة لايتابع إعلام بلده، وإلا ماأقدم على تقديم قصر طائر هدية لأكبر داعم للمذبحة، واستقبله إستقبال الفاتحين.

تماما مثلما استقبله الشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات، مغدقا عليه بإستثمارات وصلت لأكثر من تريليون دولار.

لم يكن مشهد رقص الفتيات بشعورهن أمام ترامب رغم احترامنا لتراث الشعوب سوى تعبيرا عن بشاعة التردى وسحق الهاوية التي وصل إليها العرب، جسده مشهد الرقص فبدا منفرا في غير سياقه، أو ربما جاء متماهيا ومعبرا دون قصد عن سوء النوايا وبشاعة الثمن وخبث الهدف.

شعور بالغصة أطبق على نفوسنا المكلومة الحزينة ليزيد إحساسنا بالعجز والضعف وقلة الحيلة.

لم نتوقف عند التريليونات الكثيرة التي أغدقها أصحاب الفخامة فهذا شأنهم، لكن مايهمنا هو توقيت تلك الإستثمارات ولمن يتم توجيهها والتي بدت مثل مكافأة سخية لأكبر داعم لحرب الإبادة والأكثر قدرة على إيقاف الحرب وكف يد الكيان عن جرائمه لو أراد.

لكنه لا يريد ولن يريد، ومن غير المتوقع أن يكف عن دعمه للكيان المزروع بيده والمستمر بإرادته .. ولماذا يكف عن دعمه مادام لا يجد من يردعه أو حتى يجاهر بغضبه ورفضه الحازم لذلك الدعم.

مد العرب أيديهم بسخاء لترامب وإستمروا في معاهدات السلام بينهم وبين الكيان، ومازال تعاونهم الإقتصادى واللوجستي والتجارى ساريا لم توقفه دماء الشهداء ولا حصار التجويع ولا خطر التهجير.

تأتى قرارات حازمة لدول أوروبية أقدمت على قطع علاقاتها التجارية مع الكيان لتزيد الغصة مرارة .. مزيدا من الهوان لا نستطيع تحمله، لكنه الثمن المضطرين لدفعه فالشعوب الخانعة تستحق قادتها المستبيحين لإرادتها وكرامتها ..

فمن يهن يسهل الهوان عليه وما لجرح بميت إيلام .
----------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

قادة الندامة