01 - 07 - 2025

صباحيات | مصر وجولة ترامب الخليجية

صباحيات | مصر وجولة ترامب الخليجية

طرح الأستاذ سيد كراوية على صفحته سؤالًا مشروعًا بمناسبة جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخليجية، وربما كان السؤال الأهم: لماذا لم يحضر الرئيس المصري القمة الأمريكية الخليجية، التي عقدت يوم الأربعاء في الرياض؟ أو لماذا اقتصرت القمة على كل من: سوريا، ولبنان، والسلطة الفلسطينية؟ وربما كان السؤال الأهم الذي شغل المراقبين والمحللين في الولايات المتحدة وإسرائيل، يتعلق بدلالة عدم زيارة ترامب لإسرائيل خلال جولته الأولى. وهو سؤال غير مطروح لدينا؛ لأنه يتعارض مع رؤيتنا الجامدة للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، والتي تتجنب الالتفات إلى أي تطور قد يزعزع ثبات هذه الرؤية، والتي تعد سببًا رئيسيًّا من أسباب التدهور الذي تعاني منه القضية الفلسطينية.

في الحقيقة إسرائيل حاضرة وبقوة في تعليق الأستاذ سيد كراوية، ففي رأيه أن رحلة ترامب تستهدف إعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة، التي ترتكز في تقديره على دول التعاون الخليجي، وخصوصًا: السعودية، والإمارات، وقطر، ولا ننسى سلطنة عمان التي تقوم بوساطات مهمة بين واشنطن، وطهران، والحوثيين في اليمن. اللافت هو إعادة ربط سوريا، ولبنان، والسلطة الفلسطينية، بدول الخليج. وفي تقديري أن هذا لا علاقة له بتصوراتنا التقليدية عن لعبة الشطرنج الإقليمي، كما الأستاذ سيد في تعليقه، وإنما له علاقة وثيقة بتهيئة الأرض لاستئناف مشروع الممر الاقتصادي الهندي، الذي طرح على هامش اجتماع قمة العشرين في نيودلهي، قبل أسابيع من حرب غزة، والذي يراه البعض خطة لتطويق مشروع الحزام والطريق الصيني. وهذا هو الاهتمام والشاغل الرئيسي للاستراتيجية الأمريكية؛ لاحتواء الصين والصراع على النفوذ العالمي. وفي ضوء هذا، يمكن فهم استبعاد مصر من القمة الخليجية، ويمكن أيضًا فهم التحركات الدولية الأخيرة لمصر، التي لا تزال الدول الخليجية الطامحة لزعامة المنطقة كوكلاء للمصالح الأمريكية. 

لكن ما الذي يزعج إسرائيل حقًّا في جولة ترامب الخليجية، إذا كان الأمر كذلك؟ وهل إسرائيل منزعجة حقًّا؟ أم أنها تظهر انزعاجها لصرف الأنظار عما يجري ترتيبه بالتنسيق مع إدارة ترامب؟ الرؤية السائدة لدينا والموجهة غالبًا بنظرية "المؤامرة" وبالتفسيرات التآمرية للأحداث، ستعتبر أن الأمر تمثيلية متفق عليها بين واشنطن وحكومة نتنياهو، ويستخدمون في هذا الكثير من التصريحات التي يدلي بها بعض المسؤولين الأمريكيين المعروفين بانحيازهم التام لمشروع اليمين الصهيوني، مثل: السفير الأمريكي لدى دولة الكيان. مشكلة هذه الرؤية أنها تتجاهل تطورات مهمة في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، تتفق مع فكرة تباين مصالح البلدين. اللافت في تعليق الأستاذ سيد كراوية هو استمراره في الاعتقاد بأن الهدف الرئيسي للزيارة هو دفع السعودية لتطبيع علاقتها مع إسرائيل، دون حل القضية الفلسطينية، في محاولة إعادة إحياء مشروع الاتفاقيات الإبراهيمية، رغم استجابة ترامب لاستبعاد هذا المطلب من جدول أعمال الزيارة. ومن هنا يمكن فهم دعوة رئيس السلطة الفلسطينية للقمة الخليجية. 

تتباين التفسيرات لاستبعاد مصر داخل هذا المعسكر وهذه المدرسة في التفكير، التي تفترض أن الأحداث الإقليمية والعالمية تتمحور حول المشروع الصهيوني؛ لترسيخ النفوذ الإسرائيلي في المنطقة. فهناك فريق يرى أن استبعاد مصر ناجم عن وضع مصر ومكانتها في المنطقة؛ لكونها "دولة راسخة ومستقرة لها حساباتها فيما يخص أي نفوذ أجنبي في المنطقة، وطبيعة الأمن في المنطقة، وهي حسابات ثابتة ولا يمكن تجاهلها مهما كان شكل الحكم"، بتعبير الأستاذ سيد كراوية. وهناك رأي آخر ظهر في بعض التعليقات، يرى أن عدم دعوة مصر؛ بسبب تهميشها، وأن إرادتها باتت مرهونة بموقف الدائنين، الذين من بينهم دول خليجية، لاسيما الإمارات والسعودية، ومؤخرًا قطر والكويت. 

والسؤال الذي أطرحه على هذا المعسكر: ما الذي يمكن لمصر أن تقدمه في مثل هذه القمة؟ وهل حضور مصر يضيف إليها، وغيابها ينتقص من أهميتها الاستراتيجية؟ وهل استبعاد مصر من الجولة ومن حضور القمة، سببه بالفعل ثقلها، أو تراجع قوتها ونفوذها؟ أم أن هناك أسبابًا أخرى، تتعلق برؤية إدارة ترامب لمنطقة الشرق الأوسط، تعبر عنه الطريقة التي يتحدث بها زعيم أقوى دولة في العالم مع زعماء دول الخليج، وهي لغة يغلب عليها التملق والمداهنة؟ وهل يمكن التقليل من أهمية هذه الدولة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، وبرنامج ترامب لتحفيزه، بوصفها مستودعات للأموال اللازمة لتشغيله، على النحو الذي عبر عنه بعد توقيع صفقة لطائرات البوينج مع قطر. لكن السؤال الأهم، من واقع علاقة دول البترودولار بالولايات المتحدة، هل تضمن الأموال السائلة لهذه الدول وزعمائها أي نفوذ حقًّا؟ 

لكن من المهم هنا الالتفات إلى طريقة الاستفادة من الأموال الخليجية، التي حولها ترامب إلى مشاريع استثمارية، تحفز الصناعة والإنتاج والتطوير، وتخلق فرصًا للعمل والدخول للمواطنين الأمريكيين، ولا تجمدها في مشاريع عقارية تثقل الاقتصاد المرهق، وتعمق أزمة السكن، وغيرها من أزمات اقتصادية واجتماعية.

كثيرًا ما كان يشار إلى أن أحد مصادر قوة التحالف الأمريكي-الإسرائيلي، هي القيم المشتركة التي تجمع بينهما، وهذه القيم التي كان شكل الحكم الديمقراطي الذي يترجم إلى تداول سلمي للسلطة بعد الانتخابات، أو بتعبير كارل بوبر، أن الديمقراطية هي النظام الذي يتم فيه تداول السلطة دون إراقة للدماء، تتعرض للتآكل. إن الإعجاب الذي ينظر به ترامب لزعماء المنطقة، يكشف نزعة لديه للتسلط والبقاء في السلطة إلى الأبد. وما حديثه عن قدرته على تعديل الدستور الأمريكي بما يسمح له بذلك، سوى إفصاح عن هذه الرغبة، التي يعبر عنها تفضيله لنمط الحكم الاستبدادي الفردي السائد لدي كثير من دول العالم الثالث، والتحول عن نموذج الحكم الدستوري الديمقراطي. والسؤال المطروح حقاً، ليس على ترامب ومن على شاكلته، وإنما على النخب المثقفة والقوى الفاعلة في المجتمعات الغربية، هو ما الذي حققه هذا النموذج الاستبدادي المتسلط للحكم من مكاسب للمجتمعات والشعوب؟ هل جلب لها الرخاء الناجم عن الإنتاج والتقدم المرتبط بالمعرفة والعلم؟ أم جلب لهذه الشعوب الشقاء والبؤس على الرغم مما تمتلكه من ثروات وأموال؟ 

ويظل الفارق دائمًا بين شعوب تصنع الثروة، وشعوب أخرى صنعتها الثروة للأسف، أن كثيرًا من مثقفينا، صادفت بعضهم عن قرب، يتغاضون عن هذه الحقيقة في لهاثهم وراء المال والثروة التي تهبط عليهم بشكل مفاجئ، والبحث عن وسائل سريعة، قد تكون غير مشروعة، للكسب من خلال سرقة تراث الشعب، وبيعه بثمن بخس يساوي قدرهم حقًّا، ويعتقدون أن هذه شطارة وفهلوة، وليست سرقة في وضح النهار يسعون لتأمينها بالسلطة.
---------------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات اخرى للكاتب

في التنوير وأزمته (4) | فرج فودة والتنوير الجذري: المثقف ومعضلة السياسيين