09 - 05 - 2025

رؤيا إدريس

رؤيا إدريس

لا يزال هواة جمع العملات والطوابع يستنطقون ما بين أيديهم من عملات وطوابع عتيقة، ولا يزالون يستنبئونها أخبار الأزمنة الغابرة، ووقائع الدهور الماضية؛ لعلها أن تنبئهم بما عندها من خبر.

وإنه قبل نحو مائة عام طبعت المملكة المصرية نسختها أظنها الرابعة من الجنيه المصرى الذى كانت كفته يومها أرجح من كفة الذهب، لكن لم تطبع عليه صورة الجمل ولا الجملين ولا المعبد (كما طبع على النسخ السابقة)، ولا طبعت عليه صورة الملك فؤاد الأول (سلطان ثم ملك مصر)، بل طُبعت عليه صورة رجل مسن أسمر جعد اللحية أشيبها، معتمًّا بعمامة بيضاء على رأسه، لا يظن رائيه به أنه من أهل الملك، ولا من بطانتهم، ولا من حاشيتهم، فإن أبيت إلا تشبيهه بملك فربما ذهب وهمك إلى أنه ملك من ملوك دارفور أراد ملك مصر تكريمه لجميل صنعه، أما إن أردت عين الحق فهذا الرجل هو عم إدريس الأقصرى، وهذا الجنيه يشتهر عند عامة هواة العملات  بجنيه إدريس أو جنيه الفلاح، فأى سعود قد أحلَّت الرجل الأقصرى  موضع الملوك والوجهاء من وجه عملة ثمينة؟!

لقد كان مما تناقلته الرواة فى شأن هذا الجنيه أن عم إدريس الأقصرى كان رجلًا عاملًا أو خادمًا عند الأمير فؤاد بن الخديوِ إسماعيل، فرأى عم إدريس يومًا رؤيا أن فؤادَ سيصير إليه مُلك مصر، فذهب إلى فؤاد فقص عليه الرؤيا وبشره، فضحك فؤاد متعجبًا من ذلك، فإن مصر لم تكن حينئذ (زمن الحرب العالمية الأولى وما بعدها) مملكة ليكون هو ملكًا عليها، ثم هو بينه وبين العرش ورثة أقرب منه وهو أبعدهم عنه، لكنه ذهب مع عم إدريس فى زعمه ووعده عليه بمكافأة أن يضع صورته على الجنيه المصرى، وهو يظن أن هذا من الوهم الجميل، فلا الوهم يأتى ولا المكافأة تنجَز! ثم تذهب أيام فى إثر أيام فيموت حسين كامل سلطان مصر، وينفض ورثة العرش عن العرش حتى يؤول إلى فؤاد الأول، فهاهنا قد صدق إدريس فى نصف رؤياه، فالرجل قد بلغ عرش مصر، لكنه ليس ملكًا كما زعمت رؤيا عم إدريس الأقصرى، بل هو سلطان، فإن هى إلا سنوات وأُعلنت مصر فى عام ١٩٢٢ دولة مستقلة (إلا قليلًا)، وتبدل اسمها إلى المملكة المصرية وصار السلطان فؤاد ملكًا، فتمت رؤيا إدريس صدقًا، فأنجز له الملك فؤاد وعده، فأمر بصورة عم إدريس الأقصرى فطُبعت على الجنيه المصرى حتى اشتهرت هذه الطبعة باسمه.
--------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

رؤيا إدريس