09 - 05 - 2025

الكنيسة الكاثوليكية تُبايع ليو / لاون الرابع عشر: بابا يحمل إرث لاون الكبير

الكنيسة الكاثوليكية تُبايع ليو / لاون الرابع عشر: بابا يحمل إرث لاون الكبير

في لحظة مشبعة بالرهبة والرجاء، أعلن الفاتيكان رسميًا عن انتخاب الكاردينال روبرت فرنسيس بريفوس ليكون الحبر الأعظم رقم 267 في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، متخذًا اسم ليو الـ 14 "لاون الرابع عشر"، في إشارة رمزية إلى أحد أعظم باباوات العصور الأولى، البابا لاون الكبير، الذي قاد الكنيسة في زمن اضطراب روحي وسياسي عميق. بهذا الاختيار، يعلن مجمع الكرادلة انطلاقة جديدة للكرسي الرسولي، عنوانها التوازن، والحكمة، وتجديد الهوية الكنسية في عصر مليء بالتحديات.

وُلد البابا الجديد في شيكاغو، الولايات المتحدة، عام 1957، ونشأ في بيئة تجمع بين الجذور الإيمانية والانفتاح الثقافي. تلقّى دراساته اللاهوتية والفلسفية في روما، قبل أن ينال درجة الدكتوراه في القانون الكنسي، ويبدأ رحلة طويلة من الخدمة الرعوية، تميّزت بحضوره القوي في قضايا العدالة الاجتماعية، واهتمامه العميق بالهامشيين، وبمن تُهملهم الأنظمة الاقتصادية والسياسية حول العالم. لم يكن اسمه دائمًا في دائرة الضوء، لكنه كان حاضرًا في الصفوف الأولى حيث يوجد ألم البشر وأسئلتهم.

قبل انتخابه، شغل بريفوس عدة مناصب كنسية رفيعة، كان آخرها رئاسة مجمع الأساقفة في الفاتيكان، وهو المنصب الذي سمح له ببناء جسور حوار مع أطياف متعددة داخل الكنيسة، وفي علاقاتها الخارجية. عُرف عنه اعتداله الفكري، وابتعاده عن الشعبوية اللاهوتية، وانحيازه الدائم لما يسميه "الرحمة المُنظّمة"، أي تلك الرحمة التي تقودها مؤسسات كنسية ناضجة، تعرف كيف تُترجم الإيمان إلى فعل.

أما اختياره لاسم "لاون الرابع عشر"، فيحمل دلالة لاهوتية وتاريخية عميقة، خصوصًا حين نتذكّر أن البابا لاون الأول واجه في القرن الخامس الانقسامات العقائدية، وهجمات الهمجية، ليس بالسيف، بل بالكلمة، والموقف، والدبلوماسية الروحية. يبدو أن البابا الجديد أراد بهذا الاسم أن يربط بداية عهده بتراث الدفاع عن وحدة الكنيسة وتعاليمها، دون أن يغلق الأبواب أمام الإصلاح والتجدد.

وفي كلمته الأولى من شرفة كاتدرائية القديس بطرس، تحدّث لاون الرابع عشر بلغة ناعمة لكنها واضحة: "في عالمنا المثقل بالانقسام، تُصبح الكنيسة مدعوة أكثر من أي وقت مضى لأن تكون علامة وحدة، لا مجرد مؤسسة. ولن نجد قوتنا في الصرامة، بل في المحبة التي تتجسد بالفعل". كلمات تنبئ برؤية لبابا لا يسعى لقيادة إدارية بقدر ما يطمح إلى قيادة روحية متجذرة في التقليد، ومنفتحة على الإنسان المعاصر.

التحديات أمامه كثيرة: من ملفات الاعتداءات الجنسية التي لم تُطوَ صفحتها بعد، إلى أزمة الهوية في الغرب العلماني، إلى تنامي الفقر والصراعات في الجنوب العالمي، وصولًا إلى الحوار بين الأديان، وتغيّر المناخ، وانقسامات الداخل الكاثوليكي بين يمين محافظ ويسار إصلاحي. لكن لاون الرابع عشر لا يبدو من رجال المواجهات المباشرة، بل من طينة أولئك الذين يفضلون العمل العميق، والقرارات الصامتة التي تُثمر تغييرات ملموسة.

وبينما تُقرع أجراس الفاتيكان، وتُرفع الصلوات في أرجاء الكنيسة، يرى كثيرون في هذا الانتخاب بداية مرحلة جديدة، لا تعتمد على الكاريزما وحدها، بل على الاتزان، والعقلانية، والإيمان بأن التاريخ يُصنع أحيانًا لا في ساحات الصراخ، بل في غرف التأمل واتخاذ القرار.