08 - 05 - 2025

محمد السيد إسماعيل يخرج بالقص النسائي من الظل

محمد السيد إسماعيل يخرج بالقص النسائي من الظل

إن كل دراسة نقدية جديدة لإبداع أدبى رصين تعد بعثاً جديداً لهذا الإبداع، فالنقدتجربة مضفرة من الذوق والفكر، منطلقة من العقل والعاطفة في سبيل التأثير والإقناع. ومن ثم بدأ الكاتب د. محمد السيد إسماعيل كتابه "الخروج من الظل.. قراءة في القصة النسائية القصيرة في مصر" الصادر حديثًا عن الهيئة العامة للكتاب، بتوضيح أن الهدف من الدراسة التي يضمها الكتاب ليس الادعاء باختلاف المرأة عن الرجل، في الإبداع، ولكنه محاولة جادة لتصحيح مكانة المرأة فى بعض المجتمعات التى تطوقها موروثات تقيدها، فهى دعوة لانطلاقة فكرية عصرية تواكب المجتمع ومجريات الأمور بأن المرأة كائن أساسى لنصب خيمة المجتمع الذى لا يستقيم بدونها، فهى إحدى ركائزه، مع الأخذ فى الاعتبار تباين مستويات التعليم والوعى والوضع الاجتماعى والخبرات النفسية السابقة والتجارب المكتسبة لكل كاتبة تبنت وجهة نظر ما فى قصتها القصيرة المرفودة بالتجارب والممارسات التى صقلت الخبرة فى حياتها.

ويتكئ إسماعيل على ما ورد في كتاب "صوت الأنثى- دراسات في الكتابة النسوية العربية" لنازك الأعرجي عن أن إطلاق صفة (أنثوي)على الأدب الذي تكتبه المرأة جاء نتيجة استعارة النقاد للقالب الأخلاقي الموضوع للمرأة في المجتمع. ثم أضاف الكاتب رأياً آخر فى تمايز الكتابة النسائية لرشيدة بن مسعود وهو أن الكتابة النسائية تتميز بحضور مرتفع نسبيا لدور المرسل، وهذا يعني أن الوظيفة التعبيرية حاضرة كشكل ذي دلالة. 

ولكن أخطر ما فى هذا الرأي هو أنه يكرس لما يشاع عن المرأة من حب الإفضاء عن الذات والدوران حول النفس. فالخوض فى أغوار النفس البشرية في حد ذاته هو من أعظم ما تنتجه التجربة الأدبية سواء قصة أو رواية أو شعر، فإنه فى حد ذاته جرأة ومواجهة تستحقان التقدير والامتنان. ولهذا الجنس الأدبى تميز ملحوظ من جيل لآخر، فيمكن القول إننا أمام ثلاث حساسيات: اهتمت الحساسية الأولى بالقضايا الكبرى على المستوى الوطني والسياسي والإجتماعي. والحساسية الثانية اهتمت بتداخل العام والخاص وأصبحت ذات الكاتبات أكثر حضورا، أما الحساسية الثالثة  فقد اهتمت اهتمامًا بالغًا بالذات التي لم تعد محورًا فحسب، بل هما وحيداً. ثم أوضح إسماعيل أنماط الشخصية السردية بناء على معايير مختلفة يمكن تسمية المعيار الأول "الأخلاقي": الذي انقسمت الشخصية على أساسه بين الخير والشر. المعيار الثاني: يمكن تسميته بالمعيار الوظيفي الذي يحدد حجم الدور الذي تؤديه الشخصية والذي انقسمت بناء عليه إلى رئيسية وثانوية. ثم المعيار الثالث وقد انقسمت الشخصية بناء عليه إلى نامية متطورة وثابتة مسطحة. ولاحظ الكاتب أربعة نماذج للشخصيات تدور حولها الكتابة النسائية وهي: الشخصية السلطوية، والشخصية المقهورة ثم المتمردة، فالمغتربة. النموذج الأول؛ وفيه لم تتعامل الكاتبات مع الشخصية السلطوية في بعدها السياسي، حيث اشتملت السلطة على أبعاد اجتماعية ورأسمالية وأيديولوجية ومؤسساتية. وهنا يستشهد الناقد بقصة "صفصافة والجنرال" لرضوى عاشور ويتضح فيها البعد السياسي للشخصية السلطوية، ممثلة في الجنرال؛ الحاكم العسكري الذي يصنع مقابلة مع شخصية صفصافة. وتدور التيمة الأساسية للقصة حول رغبة الجنرال في الزواج من صفصافة، لكنها تحب شخصا آخر يدعى يوسف؛ وهنا يكمن القهر لشخصية صفصافة والسلطة لشخصية الجنرال. نستخلص وجهة نظر الكاتب مما سبق في نقده للعديد من القصص النسائية وهي أن القصة النسائية القصيرة في أجيالها المختلفة استطاعت تقديم مقاربات فنية متنوعة من نماذج الشخصية السلطوية في معظم أبعادها حيث مثلت قصتا رضوى عاشور وبهيجة حسين بعدها السياسي، ومثلت قصة اعتدال عثمان بعدها الاجتماعي، ومثلت قصة ابتهال سالم بعدها الرأسمالي، ومثلت قصة عفاف السيد بعدها الديني والأيديولوجي، ومثلت قصة منال محمد السيد بعدها الأبوي الذكوري.