في ظل ما يشهده العالم من تحولات عميقة وتحديات متشابكة تهدد نسيج المجتمعات، تبرز الأسرة كخط الدفاع الأول للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والهوية الثقافية.
وانطلاقًا من هذا الإيمان العميق بدور الأسرة كمحور للتنمية المستدامة، نظّمت دولة قطر، ممثلة في معهد الدوحة الدولي للأسرة، وبالتعاون مع جامعة الدول العربية، منتدى السياسات الإقليمية العربي الأول حول “إعلان الدوحة: الأسرة والتغيرات الكبرى المعاصرة”، في العاصمة المصرية القاهرة.
وفي ضوء ذلك، أكد السفير طارق الأنصاري، سفير دولة قطر لدى جمهورية مصر العربية ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، أن الأسرة تمثل جوهر الاستقرار الاجتماعي في الوطن العربي، مشددًا على أن تمكينها لم يعد ترفًا اجتماعيًا، بل ضرورة استراتيجية لبناء مجتمعات متماسكة قادرة على مواجهة التحولات العميقة التي يشهدها العالم.
وقال السفير الأنصاري إن هذا المنتدى يأتي استكمالًا لجهود دولة قطر في دعم قضايا الأسرة إقليميًا ودوليًا، والتي كان آخرها استضافة مؤتمر الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة في أكتوبر 2023، بمناسبة مرور ثلاثة عقود على إعلان الأمم المتحدة لعام 1994.
وأشار إلى أن “إعلان الدوحة”، الذي صدر في ختام ذلك المؤتمر، تضمن أكثر من 30 توصية تعالج التحديات المعاصرة التي تواجه الأسر، من تغيرات ديموغرافية وهجرة وأزمات مناخية، وصولًا إلى التحولات الرقمية والتكنولوجية.
وأوضح أن منتدى اليوم يُمثل انتقالًا من مستوى التوصيات النظرية إلى بحث آليات التفعيل الواقعي، عبر منصة حوارية تجمع صناع السياسات والخبراء والممارسين، في سبيل بلورة سياسات أسرية قائمة على المعرفة والتجربة والتكامل المؤسسي.
وتوقف السفير الأنصاري عند حجم التحديات التي تواجه الأسرة العربية في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة، موضحًا أن هذه التحديات تتراوح بين النزاعات المسلحة، والضغوط الاقتصادية، والفجوة الرقمية، والتغيرات الثقافية التي تمس جوهر الهوية الأسرية وتُضعف أدوارها التقليدية في توفير الحماية والدعم النفسي والاجتماعي لأفرادها.
وشدد على أن من أكبر التحديات التي لا يمكن التغافل عنها، ما تتعرض له الأسر تحت الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما في فلسطين والجولان السوري ولبنان، حيث تسعى سياسات الاحتلال الممنهجة إلى تفكيك الأسرة من خلال الاعتقال وهدم المنازل والفصل القسري بين أفراد العائلة.
وقال إن هذا الاستهداف لا يمس فقط البنية الاجتماعية، بل يهدد أيضًا الهوية والانتماء ويورّث عدم الاستقرار جيلاً بعد جيل، مؤكدًا أن أي خطة استراتيجية للنهوض بالأسرة العربية يجب أن تأخذ في الاعتبار الاحتلال باعتباره عاملًا بنيويًا يعيق استقرار الأسرة.
وأضاف السفير القطري أن الاستجابة لهذه التحديات لا يجب أن تكون آنية أو تجزيئية، بل تتطلب رؤية شاملة تضع الأسرة في صلب السياسات العامة.
ولفت إلى أن رؤية قطر الوطنية 2030 انطلقت من هذا الإيمان، واعتبرت التماسك الأسري أساسًا لبناء مجتمع مزدهر، ولذلك حرصت دولة قطر على دعم البحوث والمبادرات التي تعزز صمود الأسرة وترسخ دورها كمحور للتنمية المستدامة.
و ثمّن السفير الأنصاري جهود معهد الدوحة الدولي للأسرة، وجامعة الدول العربية، وكل الشركاء في تنظيم هذا المنتدى، معربًا عن تقدير دولة قطر العميق لكل المبادرات الإقليمية والدولية الهادفة إلى تمكين الأسرة، وصون كرامتها، وتعزيز قدرتها على التكيف في مواجهة التغيرات الكبرى.
وأكد أن دولة قطر تدعم بكل ثقة الطموح العربي المشترك نحو ترجمة إعلان الدوحة إلى سياسات واقعية تلامس حياة الأسر العربية، وتسهم في بناء مستقبل أكثر تماسكًا وعدلًا واستقرارًا.
وفي ضوء ما طرحه السفير طارق الأنصاري من رؤى عميقة وتحذيرات صادقة، تتجلى الأهمية البالغة لاعتبار الأسرة العربية حجر الزاوية في معادلة الاستقرار والتنمية.
فليس تمكين الأسرة خيارًا يُدرس، بل واجب تفرضه التحديات المتسارعة والظروف الضاغطة التي تشهدها مجتمعاتنا.
ومن هنا، يمثل منتدى السياسات الإقليمية العربي الأول محطة فارقة في مسار تفعيل إعلان الدوحة، عبر توحيد الجهود وتبادل الخبرات وتكريس السياسات المبنية على المعرفة والعدالة الاجتماعية.
إن ما تسعى إليه دولة قطر، بدعمها المستمر لقضايا الأسرة، لا يقتصر على التصدي للأزمات الآنية، بل يتجاوزها نحو بناء مستقبل عربي أكثر استقرارًا وإنصافًا، تنعم فيه الأسرة بالأمان، وتستعيد فيه دورها الطبيعي كمصدر للتماسك والقيم والتنمية.