05 - 05 - 2025

نبوءة البابوات بين اهتمام الشعب ورفض الإكليروس

نبوءة البابوات بين اهتمام الشعب ورفض الإكليروس


تحقيق - آمال رتيب

ساعات ويعلن المجمع المغلق الذي سيبدأ عملية انتخاب قائد جديد للكاثوليك البالغ عددهم 1.4 مليار حول العالم في 7 مايو، وبموجب قواعد الفاتيكان، يشارك الكرادلة في ذلك اليوم في قداس رسمي في بازيليك القديس بطرس قبل أن يجتمع الكرادلة الناخبون الذين تقل أعمارهم عن 80 سنة، اعتبارا من بعد الظهر جلسات مغلقة في كنيسة سيستينا لإجراء عمليات الاقتراع التي قد تمتد لأيام.

وقال الفاتيكان إن أكثر من 180 كاردينالا شاركوا في الاجتماع الخامس غير الرسمي في روما، ويحق لمجموعة أصغر تتألف من 135 كاردينالا يعرف بمجمع الكرادلة، انتخاب بابا جديد.

إلى هنا والخبر يبدو عاديا، والإجراءات كلها مألوفة بانتظار تتطاير الدخان الأبيض من نافذة البازيليك لإعلان البابا الجديد، أو دخان أسود يشير إلى إعادة الاقتراع مرة أخرى، ولكن الغريب هذه المرة نبوءة طفت على السطح وأصبحت حديثا متداولا بين العامة، والخاصة، ولكن ليس على مستوى رسمي، فهل هناك انقسام بين الشعب والاكليروس- رجال الدين- ، أم أن هذه النبوءة ستمر كغيرها من النبوءات والتوقعات؟ 

بطرس الأخير

أعادت وفاة البابا فرنسيس تسليط الأضواء على مخطوطة نبوية تعود إلى أكثر من تسعة قرون، تُعرف باسم "نبوءة البابوات" والتي يقال إنها تنبأت بهوية خليفته وحتى عودة السيد المسيح، ويُعتقد أن هذه النبوءة، التي تعود إلى القرن الثاني عشر، قد تم العثور عليها في الأرشيف السري للفاتيكان، وهي تحتوي على سلسلة من العبارات اللاتينية الغامضة، فسرها البعض على أنها تصف باباوات الكنيسة الكاثوليكية، بدءا من البابا سيليستين الثاني عام 1143، وحتى "بطرس الروماني" الذي يفترض ظهوره عام 2027، وقد زاد من إثارة الجدل حول هذه النبوءة أن هناك تسعة مرشحين بارزين لخلافة البابا فرنسيس، ثلاثة منهم يحملون اسم بطرس، وهو ما غذى التكهنات والقلق بشأن مصداقية النبوءة.

وليست الإثارة في تحديد أسماء البابوات وصفاتهم، ولكن المثير في هذه النبوءة والذي جعلها تحظى بهذا الاهتمام، هي إحدى أكثر فقرات النبوءة إثارة للقلق، والتي تشير إلى اقتراب يوم الحساب، حيث يعتقد البعض أن عام 2027 قد يشهد المجيء الثاني للمسيح،  وتشير النبوءة إلى أن هذا اليوم المصيري لم يعد يفصلنا عنه سوى أقل من عامين.

عبارات مشفرة
وتُنسب نبوءة البابوات إلى القديس ملاخي الأيرلندي، الذي يُقال إنه كتبها عام 1139 بعد أن رأى رؤيا خلال زيارة له إلى روما، وتضم النبوءة 112 عبارة قصيرة وغامضة يُفترض أنها تصف كل بابا من الباباوات الذين سيحكمون الكنيسة الكاثوليكية حتى يوم القيامة.

وبحسب ما جاء في الإدخال الأخير المتعلق بـ"بطرس الروماني"، فإن هذا البابا الأخير سيتولى قيادة الكنيسة في وقت تتعرض فيه لاضطرابات شديدة، وسينتهي الأمر بتدمير مدينة روما ونهاية البابوية، وتشير النبوءة إلى أن "في الاضطهاد الأخير للكنيسة الرومانية المقدسة، سيتولى الحكم بطرس الروماني، الذي سيطعم رعيته وسط محن كثيرة، وبعدها ستُدمر المدينة ذات التلال السبع، وسيحكم القاضي الرهيب الناس".

ورغم أن البعض فسروا خطأ أن "بطرس الروماني" سيخلف البابا فرنسيس خلال فترات مرضه المتكررة، فإن آخرين رأوا أن ملاخي أو مالاشي أو مالاكي بحسب النطق الغربي للاسم، ربما قصد أن يكون فرنسيس هو البابا الأخير.

وقد تركز اهتمام الباحثين الكتابيين على الجدول الزمني الذي رسمته النبوءة، حيث يعتقد أن منتصفها تحقق في عام 1585، أي بعد 442 عاما من ظهور أول بابا في القائمة، وهو ما يدفع البعض للاعتقاد بأن النهاية ستأتي بعد مرور 442 عاما أخرى، أي في عام 2027.

وبينما يشكك بعض الباحثين في مصداقية النص، ويعتبرونه تزويرًا من القرن السادس عشر، فإن مؤيديه يؤكدون أن ملاخي هو من كتبه فعليًا، مستندين إلى دقة وصف الباباوات حتى عام 1590. وبعد هذا التاريخ، أصبحت العبارات أكثر غموضًا، وإن ظلّت بعض الفقرات تُعدّ لافتة في دقتها حتى في الأزمنة الحديثة.

ومن بين تلك العبارات، واحدة تُشير إلى "مجد الزيتونة" (the glory of the Olive)، ويعتقد بعض المؤرخين أنها تنبأت بقدوم البابا بنديكتوس السادس عشر، الذي جاء من رهبنة الأوليفيتانيين (Olivetans)، وقد شغل منصب البابا من 2005 حتى 2013. كما تضمنت عبارة أخرى "كسوف الشمس" (eclipse of the sun)، أو "الآتي من الشمس"، واعتبرها المفسرون تشير إلى البابا يوحنا بولس الثاني، فحدث يوم مولده في 18 مايو 1920 كسوف كلي للشمس شاهدوه في الأمريكتين، وتكرر الكسوف يوم دفنه، حيث قاد الكنيسة الكاثوليكية من عام 1978 وحتى عام 2005.

أما عن البابا 112 الأخير فاستفاض ملاخي فيه وقال: "سيأتي في المستقبل، والذي أقول لكم، وستعلمون صدق ما أقول، سيسمى بيتروس رومانوس، فكما بدأت الكنيسة ببطرس فستنتهى ببطرس، وستخرب في زمنه مدينة التلال السبع وستبدأ نهاية العالم الذي نعيش أحداثه اليوم" قاصدا بعبارة "مدينة التلال السبع" روما، وتعني الفاتيكان لرجال الكنيسة.

أما اليوم، فتضم قائمة المرشحين المحتملين لخلافة البابا فرنسيس ثلاثة كرادلة يحملون اسم بطرس، وهم بيتر إردو من المجر، المرشح المحافظ البارز، وبيتر توركسون من غانا، المعروف بدوره في قضايا العدالة الاجتماعية؛ وبيترو بارولين من إيطاليا، أحد أكثر المسؤولين خبرة في الفاتيكان.

هذه النبوءة كغيرها من النبوءات أو التوقعات بزوال العالم، تأخذ حيزا كبيرا من اهتمام الناس حول العالم سواء بالتصديق والاجتهاد في مطابقتها بالواقع أو بنفيها بأحداث منطقية وأحيانا إيمانية..

الأب بطرس دانيال: النبوءات كثيرة والغيب كله عند الله

الغيب لله
حيث أكد الأب بطرس دانيال رئيس المركز الكاثوليكي للسينما أنه دائما ما تأخذ النبوءات مكانا لدى العامة، إنما في المعتقد الكنسي فالأمر يختلف تماما، وقال: إيمان الكنيسة الراسخ هو أن الغيب في علم الله، واختص به نفسه، وكثيرا ما سمعنا عن أقاويل تتنبأ بنهاية العالم سنة 88، وأكتوبر 92، وغيرها كثير من التواريخ، على هذه الشاكلة التي تجزم بنهاية العالم وتسوق الأدلة، والتي يكتشف العامة بعد ذلك بطلانها.

وأوضح الأب بطرس دانيال أن العالم كله في حالة تغير، لذلك عندما تظهر نبوءة ما خاصة القديم منها، مثل "نبوءة الباباوات" تجد صداها عند العامة، إنما الكنيسة لا تأخذها أبدا بعين الاعتبار، وإنما ترجع كل المتغيرات سواء في الطبيعة من زلازل وبراكين، أو حتى حروب إلى الله الذي بيده ملكوت كل شيء.


د. لؤي محمود سعيد: التاريخ قديما وحديثا مليء بتوقعات نهاية العالم..

 على مر العصور
ومن جهته قال الدكتور لؤي محمود سعيد؛ مدير مركز الدراسات القبطية التابع لمكتبة الإسكندرية: اعتقد أن الاهتمام بنبوءة الباباوات وجدت بيئة ملائمة للتداول والانتشار في المجتمعات الشرقية، أكثر منها في الغرب، وأشار إلى أن التاريخ المصري القديم، والتاريخ القبطي حافل بالنبوءات التي كانت تلقى شعبية كبيرة عند عامة الناس، مؤكدا أن مثل هذه الأمور من توقعات مستقبلية تلقى رواجا كبيرا عند الرأي العام الشرقي، وأيضا لا ننكر اهتمام الغرب بها ولكن بنسبة أقل، خاصة وأن غالبية هذه النبوءات تأتي في شكل رموز أو جمل مشفرة، فيصطنع لها البعض طريقا للتأويل. 

وأضاف: أما بالنسبة للرأي الكنسي فاعتقد أن الكنيسة الكاثوليكية في الشرق عامة وأيضا في مصر فهي تتبع الكنيسة الكاثوليكية الأم في روما، والتي لم يصدر عنها أي تصريح أو تلميح لنبوءة " ملاخي" أو ما بات يعرف بنبوءة الباباوات.

 وأوضح أن هناك نبوءات كثيرة مرت خلال التاريخ ولم يتحقق منها شيء، فالاهتمام الكنسي الرسمي للرؤي والنبوءات أقل كثيرا من الشعبوية الجماهيرية لهذه التوقعات، خاصة وأن شخص" ملاخي" صاحب النبوءة الأكثر رواجا هذه الأيام لم يكن أحد الباباوات ولا من قديسي الكنيسة، حتى تأخذ الكنيسة كلامه مأخذ الجد، وإن كان الأمر شعبيا له وقع مختلف، فنبوءات نهاية العالم كثيرة، وهناك ولع لدى البشر عامة بها، وقد ذكر المقريزي ما شاع في طنطا والدلتا في وقت معين من القرن 15  أنه في يوم الجمعة الساعة كذا سوف ينتهي العالم وتقوم القيامة، وبدأت الناس تستعد وجاء اليوم المحدد ولم يحدث شيء، وكانت هذه احدى الخرافات المتعلقة بكرامات أحد الأولياء، وكذلك نبوءة الأنبا صموئيل القلاموني الذي وصف حال مصر بعد دخول الإسلام والعرب، ولكن بدراستها والتحقق من اللغة المكتوبة بها عرف الباحثون أنها كتبت أثناء وجود المسلمين في مصر وليس قبل ذلك، وفي العصر الحديث حدد البعض نهاية العالم سنة 2000، و2012 وغيرها من التواريخ.