10 - 05 - 2025

الجارديان:بعد مرور مائة يوم .. دونالد ترامب قادر على الغضب لكنه لا يستطيع الحكم

الجارديان:بعد مرور مائة يوم .. دونالد ترامب قادر على الغضب لكنه لا يستطيع الحكم

- بدأ الأميركيون يشعرون بالقلق بشأن مستقبلهم في ظل انكماش الاقتصاد، وتحذيرات من الرفوف الفارغة، ووعود الرئيس الفاشلة

يقول: "إنها أفضل بداية مئة يوم لأي رئيس في التاريخ"، ولكن يُمكنك إضافة ذلك إلى تفاخره بأعداد الحشود، وادعائه الفوز في انتخابات 2020. في الحقيقة كانت الأشهر الثلاثة الأولى من رئاسة دونالد ترامب الثانية، كارثية بكل المقاييس تقريبًا. وكان الإنجاز الأبرز لتلك الأيام المئة هو أنها كانت بمثابة تحذير من مخاطر الشعبوية القومية؛ وهي فعالة في كسب الأصوات، لكنها كارثية عند تطبيقها على أرض الواقع. ينطبق هذا التحذير على جميع أنحاء العالم الديمقراطي؛ وهو مناسب بشكل خاص في بريطانيا.

لنبدأ بالأرقام الأكثر أهمية لترامب نفسه. نُشرت مجموعة من استطلاعات الرأي هذا الأسبوع، لكنها جميعًا أشارت إلى نفس النتيجة: انهيار شعبية ترامب؛ حيث هبطت إلى أدنى مستوى لها بالنسبة لرئيس جديد في حقبة ما بعد الحرب. وقد تقدم الآن على منافسه الوحيد على هذا اللقب نفسه. وكان أدنى مستوى سابق لرئيس بعد ثلاثة أشهر من توليه منصبه قد حققه دونالد ترامب في عام ٢٠١٧.

في ذلك الوقت، كان 42% من الأمريكيين راضين عن أداء ترامب لمهامه. أما آخر استطلاع رأي أجرته شركة إبسوس لصالح صحيفة واشنطن بوست/إيه بي سي نيوز، فقد أظهر أن ترامب حصل على 39% فقط. تذكروا، هذه الفترة، من المفترض أن تكون شهر العسل، إلا أن ترامب متأخر بعشر نقاط عن جو بايدن في تلك المرحلة، وبثلاثين نقطة عن باراك أوباما، وبأربع وأربعين نقطة عن رونالد ريجان. تذكروا: شعبية رؤساء الولايات المتحدة تتراجع مع مرور الوقت، لا تزداد.

ولعلّ الأهمّ من ذلك هو ضعف ترامب حتى في المجالات التي يُفترض أن يكون قويًّا فيها؛ فقد تراجعت الثقة في قدرته على التعامل مع الهجرة، وينطبق الأمر نفسه؛ بل والأهم، على إدارته للاقتصاد الأمريكي. ففي هذا المجال الأخير لم يؤيد ترامب سوى 37%؛ وهو مستوى لم يصل إليه ترامب خلال ولايته الأولى، حتى مع ركود الاقتصاد في ظل جائحة كوفيد. ولأول مرة منذ عام 2001، يعتقد غالبية الأمريكيين أنّ وضعهم الاقتصادي يزداد سوءًا.

لسبب وجيه؛ فالبيانات الاقتصادية تُثير قلق ترامب بقدر ما تُثيره أرقام استطلاعات الرأي. هذا الأسبوع، أظهرت الأرقام الرسمية انكماش الاقتصاد الأمريكي بنسبة 0.3% في الربع الأول من العام، مما زاد من مخاوف الركود. لم يُضيّع ترامب وقتًا في إلقاء اللوم على بايدن، الذي لم يتولَّ السلطة سوى 20 يومًا من الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، في هذا الانكماش، وهي حجةٌ لم تُضعفها إلا قليلًا حقيقة أن الربع الأخير من عهد بايدن شهد نموًّا بنسبة 2.4%.

إنه انخفاض حاد، وسببه ليس غامضًا. يتفق الاقتصاديون على أن السبب هو تعريفات ترامب الجمركية؛ والتي أدت إلى زيادة كبيرة في الواردات، حيث سارعت الشركات إلى شراء السلع من الخارج، قبل أن تدخل رسوم الرئيس المتقطعة حيز التنفيذ. ونظرًا لأن هذه السلع والخدمات المستوردة لا يتم إنتاجها في الولايات المتحدة، فإنها تُطرح من رقم الناتج المحلي الإجمالي الرئيسي؛ ومن هنا جاء الانكماش. وفي الوقت نفسه، أدت الفوضى والتقلبات التي أطلقتها سياسة ترامب الجمركية إلى إضعاف ثقة المستهلك، التي انخفضت الآن إلى أدنى مستوى لها منذ ركود عام 1990؛ مما جعل الأمريكيين مترددين في إنفاق الأموال، وسط الكثير من عدم اليقين. وعلى الرغم من أن أحدث أرقام الوظائف تبدو صحية، إلَّا أن المحللين يقولون إن الصورة الأساسية مثيرة للقلق. وكما ذكرت بلومبرج، فإنّ "خطط الاستثمار للشركات، وتوقعات النمو، والوظائف قد تراجعت جميعها؛ والسبب الرئيسي هو حرب ترامب التجارية".

يعلم ترامب أن تحذيرات عملاقي التجزئة، وول مارت وتارجت، من رفوف فارغة مع نفاد الإمدادات من الصين الخاضعة لرسوم جمركية باهظة، قد وصلت إلى مسامعه. وقد عالج هذا القلق، هذا الأسبوع، ولكن بطريقة من شأنها أن تُقلق حتى مُعجبيه الذين يُشيدون عادةً بقدرته على التواصل مع عامة الناس، من أنه يفقد رباطة جأشه.

عندما سُئل ترامب عن احتمال نقص الألعاب في عيد الميلاد، قال: "حسنًا، ربما يحصل الأطفال على دميتين بدلًا من 30 دمية، وربما يزيد سعر الدميتين ببضعة دولارات". كان من المتأخر بعض الشيء في مسيرته أن يرتدي ترامب رداءً زعفرانيًّا، ويدعو إلى التخلي عن المادية الاستهلاكية. تعليقه على اللعبتين - والذي لم يُدرج، على نحو غريب، ضمن تعهداته الانتخابية في عام 2024 - جعله يبدو بالفعل وكأنه غرينش الذي سيُفسد عيد الميلاد.

"اصبروا!!!" يحثّ على منصته للتواصل الاجتماعي، مُصرًّا على أنَّ الانحدار الحادّ لسوق الأسهم إمَّا لا يُهمّ، أو أنه خطأ بايدن. لكنّ نفحة اليأس قويّة مع بدء ترامب في إدراك سبب كون الفكرة الوحيدة التي يؤمن بها بالفعل، والتي آمن بها لعقود - الرسوم الجمركية - موضع ازدراء شبه عالمي بين الاقتصاديين. نعم؛ ربما نجحت الرسوم الجمركية في إقناع شركة آبل بنقل التصنيع بعيدًا عن الصين. لكن هذه الوظائف لن تنتقل إلى الولايات المتحدة. فقد أعلنت شركة آبل بدلًا من ذلك أنها ستُجمّع هواتف آيفون المُوجّهة إلى الولايات المتحدة في الهند. من الأفضل إعادة خياطة قبعات البيسبول الحمراء تلك، بشعار مُعدّل: اجعلوا الهند عظيمةً من جديد.

لعلكم تتذكرون الآن أن ترامب كان من المفترض أن يُنهي الحروب في أوكرانيا وغزة؛ بل وعد بذلك بحلول 21 يناير. ولكن بعد وقف إطلاق نار قصير، استؤنفت حرب إسرائيل على حماس في غزة، ويبدو أن إدارة ترامب فقدت اهتمامها. أمّا بالنسبة لأوكرانيا، فقد تباهى ترامب هذا الأسبوع بتحقيق اختراق، باتفاق يمنح الولايات المتحدة حصّة في الثروة المعدنية الأوكرانية، لكن هذا الاتفاق بعيد كل البعد عن الصفقة التي سعى إليها.

لطالما دافع عن ضرورة تعويض الولايات المتحدة عن المليارات التي قدمتها لأوكرانيا؛ كدعم عسكري في عهد بايدن، متجاهلًا الرقم الزائف البالغ 350 مليار دولار. لكن اتفاق هذا الأسبوع لا يتضمن أي ردّ من هذا القبيل؛ بل على العكس، يُمكن لكييف أن تنظر إلى الاتفاق برضًا تامّ. يبدو أن الأوكرانيين شعروا بحاجة ترامب إلى شيءٍ يُعلن عنه في يومه المئة، فاستغلوا هذا الحماس لمصلحتهم.

أما بالنسبة لتهديداته التوسعية بالاستيلاء على بنما وغرينلاند وكندا؛ فإن النتيجة الملموسة الوحيدة التي أسفرت عنها، هي هزيمة المحافظين المؤيدين لترامب في الانتخابات العامّة الكندية، ونجاحٍ باهرٍ للحزب الليبرالي الذي تعهد بتحديه. بلغت نرجسية ترامب حدّ تباهيه بذلك؛ مستشهدًا به كدليل على أهميته في العالم. وكما قال قبيل تصويت الكنديين: "كما تعلمون، حتى ظهوري، كان المحافظون متقدمين بـ 25 نقطة. لقد كنت مكروهًا من قِبل عددٍ كبيرٍ من الكنديين، لدرجة أنني حسمتُ الانتخابات لصالحي".

كان الوعد أن تكون ولاية ترامب الثانية مختلفة، وأنّ فوضى واضطرابات عهد ترامب الأول ستزول. لكن يوم الخميس، عدنا إلى الأيام الخوالي، مع إقالة مستشاره للأمن القومي، مايك والتز، جزئيًّا لسماحه - عن طريق الخطأ - لصحفي بالدخول إلى دردشة جماعية على تطبيق سيجنال؛ والتي ناقشت خططًا لشنّ هجوم على اليمن، وجزئيًّا لدعوته إلى موقف أكثر صرامة تجاه فلاديمير بوتين، وجزئيًّا لكسبه عداء لورا لومر، المؤامراتية اليمينية المتطرفة، والتي تحظى باهتمام الرئيس.

لذا، من الإنصاف القول إنّ المئة يوم لم تسرِ كما كان ترامب يتمنى. وبفضل تلك الإخفاقات المتتالية؛ يُمكنك رؤية أولى المؤشرات الصغيرة، على تلاشي قدرته على الترهيب. لننظر إلى حفنة من الجمهوريين في مجلس الشيوخ، الذين صوّتوا مع الديمقراطيين ضد سياسته المتعلقة بالرسوم الجمركية. ولنلاحظ كيف أصبحت الصفحة الافتتاحية اليمينية الموثوقة، في صحيفة وول ستريت جورنال، الآن، ناقدًا شرسًا؛ حيث تصف ترامب بـ "المتنمر"، وتدين الرسوم الجمركية بأنها "أكبر خطأ في السياسة الاقتصادية منذ عقود". لبضع ساعات، بدا حتى جيف بيزوس مستعدًّا لاتخاذ موقف، وسط تقارير تفيد بأن أمازون كانت على وشك تفصيل تكلفة الرسوم الجمركية على العملاء الأمريكيين، قبل أن تتراجع الشركة.

بالطبع لا ينبغي أن يكون أيٌّ من هذا مُفاجئًا؛ فوعود ترامب المُضلِّلة، وأحلامه الوهمية بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، كانت دائمًا محكومةً بالفشل. هذه هي طبيعة الشعبوية القومية، سواءً ارتدت قبعة حمراء في ميشيجان، أو وردة فيروزية في رونكورن. إنها بارعة في تحويل المظالم، والانقسام، والحنين إلى أصوات. لكن عندما يتعلق الأمر بالحكم فإنها ستفشل دائمًا. إنها تُتيح منفذًا للشكوى، ولا تُقدّم أيّة حلول على الإطلاق.

للاطلاع على الموضوع بالانجليزية يرجى الضغط هنا