04 - 05 - 2025

قانون الايجار القديم .. من يفك الاشتباك بين المالك والمستأجر؟

قانون الايجار القديم .. من يفك الاشتباك بين المالك والمستأجر؟

منذ أعلنت المحكمة الدستورية العليا فى نوفمبر الماضى عدم دستورية تثبيت الأجرة فى قانون الإيجار القديم، والجدال مستعر على مواقع التواصل الاجتماعي بين الملاك والمستأجرين، فالملاك يطالبون بدفع القيمة السوقية للشقق، والمستأحرون يتمسكون بأن العقد شريعة المتعاقدين وأن الخلوات التى دفعوها توازى قيمة التمليك إذا ما تم حسابها بسعر اليوم وفقا لسعر الذهب أو الدولار ، والمشرع يرغب فى تحديد أجرة تستند إلى ضوابط موضوعية تتوخى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، بحيث لا يجور طرف على الآخر.

ومنذ أيام أحالت الحكومة مشروع قانون إلى البرلمان ينص على:

١-  زيادة القيمة الإيجارية الشهرية للأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعية لغير غرض السكن لتصبح خمسة أمثال القيمة الإيجارية الحالية مع زيادة القيم الإيجارية سنوياً بنسبة 15 % لمدة ٥ سنوات اعتباراً من تاريخ العمل بمشروع القانون الجديد.

٢- زيادة القيمة الإيجارية الشهرية للأماكن المؤجرة لغرض السكن لتصبح عشرين مثل القيمة الإيجارية الحالية على ألا تقل عن 1000 جنيه للوحدات الكائنة في المدن والأحياء و500 جنيه للوحدات الكائنة في القرى.

كله ضرب ضرب

ذكرنى مشروع  القانون المقدم من الحكومة بالمقولة الشهيرة "كله ضرب ضرب مفيش شتيمة"، فبغض النظر عن أن الحكومة سلطة تنفيذية والمفروض ألا دخل لها فى التشريع، إلا أننى لا أدرى على أى أساس تم وضع هذا التصور المجحف للمستأجر وحقوقه ، وهل من اقترح القانون يظن أن كل شقق الإيجار القديم إيجارها خمسة جنيهات ، ومن قال لك أن شقق الزمالك ومصر الجديدة وغيرها ممن يسكنها كبار السن وأصحاب المعاشات لديهم القدرة على دفع 1000 جنيه أو أكثر فى شقة عاشوا فيها عمرهم كله ودفعوا ثمنها عدة مرات بسعر زمان، عندما كان الإيجار معناه التمليك الأبدى، ألا يعلم صاحب هذه الفكرة الجهنمية أن هناك إيجارات تصل إلى 300 جنيه ومعظمها فى الأحياء الشعبية والمناطق التى تم البناء فيها بدون ترخيص وشراء الأراضى بوضع اليد ثم تقنين أوضاعها ، وأن مضاعفة هذا المبلغ عشرين ضعفا يجعل رب الأسرة يدفع 6000 جنيه بعد أن كان يدفع 300 فقط ، ألا تكتفى الحكومة بما فعلته فى المواطن الغلبان برفع أسعار المحروقات والبنزين بشكل لا يتناسب ودخول الغالبية العظمى من الناس والتى استتبعها تلقائيا ارتفاع أسعار السلع والخدمات ووسائل النقل والمواصلات ..

قل لى يا معالى رئيس الوزراء وأنت تعلم مدى تدنى مرتبات الموظفين وأصحاب المعاشات ، من أين سيأتى هؤلاء بالآلاف المؤلفة لدفع إيجار لم يتفقوا عليه مع صاحب العقار وهم يدفعون له خلوات الرجل  ..

قل لى يا معالى رئيس الوزراء، كيف سينفق رب الأسرة على تعليم أبنائه وعلاجهم ومواصلاتهم وأكلهم وشربهم ودروسهم ، وفواتير الكهرباء والغاز والمياه المتصاعدة، ثم يدفع عشرين ضعفا فى إيجار شقته التى تأويه وأسرته .. ألا تعلم أن هذا المبلغ إذا استطاع توفيره سيكون على حساب أساسيات حياته وأسرته !!!

فهل زادت الدولة راتبه الهزيل عشرين ضعفا مثلما تطالبون بزيادة الأجرة عشرين ضعفا أم يزداد 10% يقتطع معظمها فى صورة ضرائب وتأمينات وغيره..

قل لى يا معالى رئيس الوزراء ، من سمح لمواقع الصحف أن تذكر ليل نهار على مدار عدة أيام لفظ "طرد المستأجر" بعد خمس سنوات.

رغم أن العقد شريعة المتعاقدين والقانون الذى تم تعديله فى 2002 يسمح بامتداد العقد للجيل الأول .. أى أن العقود الإيجارية ستنتهى تلقائيا بمرور الوقت بعد انتهاء الجيل الأول كله تدريجيا ..

فك الاشتباك

ولكى نفك هذا الاشتباك بين المالك والمستأجر علينا فى البداية أن نفرق بين عدة أمور هامة :

أولا:  الفترة الزمنية التى عاشها المستأجر فى الشقة

ثانيا: حالة الشقة عند استئجارها من ناحية التشطيبات والمرافق.

ثالثا: هل المستأجر أصلى أم وريث

يقول أحد المستأحرين: عشت فى شقتى لمدة عشر سنوات كاملة قبل أن تدخلها المياه والكهرباء بشكل رسمى، وقبل تركيب سلم وأسانسير للعمارة، وعانيت الأمرين أنا واسرتى من صاحب الملك كى يستكمل ما وعد به عند كتابة عقد الإيجار ، فبعدما حصل على الخلو قام ببناء عدة أدوار مخالفة ، ثم دفع قيمة التصالح وباعها تمليك!! واليوم يريد إخراجى من الشقة بعدما تم تقنين كل مخالفات العمارة كى يبيع شقتى أيضا تمليك !! فما ذنبى وقد دفعت له ما يوازى قيمة التمليك "خلو رجل " لأن فى وقتنا كانوا يرفضون التمليك خشية الحبس بسبب حصولهم على الأراضي بوضع اليد، والبناء بدون ترخيص.

ولمن لا يعرف، فالشقق التى تم تأجيرها قبل صدرور قانون الإيجار الجديد عام 1996 والتى كانت فى أغلبها يتم تأجيرها على "الطوب الأحمر " أو على "المحارة" بعد الحصول على خلو رجل محترم من المستأحرين ، كان المستأجر يقوم بإجراء كافة التشطيبات وهى تكلفة لم تكن تقل بأى حال من الأحوال عن تكلفة التمليك فى ذلك الوقت ، حيث دفع المستأجر تكلفة تشطيب الشقة كاملة من محارة وسباكة ونجارة وصرف صحى ودهان وسيراميك وإدخال مرافق والمشاركة فى تشطيب السلم والواجهة والأسانسير .. وهو بذلك دفع ما يفوق قيمة الأرض التى اشتراها المالك برخص التراب ، والطوب الذى تم البناء به فى هذا التوقيت.

فهل يسترد المستأجر قيمة ما دفعه فى التشطيبات بسعر اليوم مثلما يطالب المالك بالقيمة السوقية للأجرة، أم يأخذ معه عند طرده من شقته أبوابه وشبابيكه ومواسير الصرف وسلوك الكهرباء وطقم الحمام والمطبخ ويقوم بتكسير الحوائط والسيراميك وممن سييسحب نصيبه فى تشطيبات العمارة من اسانسير وسلم وواجهة حتى يشفى غليله من القانون الغادر .

فروق جوهرية

هناك عدة أمور يجب مراعاتها عند مناقشة قرار المحكمة الدستورية بعدم تثبيت الأجرة ، فعلى سبيل المثال يجب التفريق فى مقدار الزيادة للقيمة الإيجارية بين المستأجر الأصلى والوريث، مع مراعاة الحالة الاقتصادية والاجتماعية للوريث، فموظف بالمعاش يختلف عن رجل أعمال أو تاجر ، وكذلك مراعاة الفوارق فى القيمة الإيجارية المكتوبة فى العقد وقت التعاقد وتاريخ العقد فلا يتساوى معدل الزيادة لمستأجر بقيمة 5 جنيه فى الستينيات مع مستأجر بقيمة 200 فى التسعينيات ، فلكل فترة زمنية يجب أن تكون هناك نسب محددة للزيادة تتناسب وقيمة الايجار والخلوات المدفوعة والسنوات التى عاشها المستأجر فى الشقة. فمن عاش وأسرته وورثته فى الشقة منذ أربعينات وخمسينيات القرن الماضى يختلف عمن عاش فيها منذ الثمانينيات والتسعينيات، ورأيى  أن الحل الامثل فيمن لم يتجاوز مثلا أربعين عاما فى استئجار شقته،  أن يقوم بدفع عدد سنوات معينة من الإيجار الأصلى  إلى المالك دفعة واحدة لتتحول إلى تمليك ، بمعنى أن يتفق المالك والمستأجر على دفع ما قيمته مثلا 40 سنة "أو أى عدد من السنوات" من أصل الإيجار لتصبح الشقة ملكا له بعقد تمليك ينص على ذلك.

أخيرا ، أؤكد أن قانون الإيجار القديم يحمل بداخله عوامل فنائه وانتهائه تلقائيا بعد أن أصبح الامتداد لجيل واحد وبعد أن كان لخمسة أجيال أو أبديا فى القوانين السابقة ، كما أوكد أن لا أحد يرضى بظلم الملاك،  ولا احد يعارض حكم المحكمة الدستورية بعدم ثبات الأجرة ، ولكن اختيار توقيت وطريقة فتح هذا الملف كان خاطئا بكل المقاييس، فمصر ومحيطها الإقليمى يمر بأحداث جسام تتطلب من الدولة الحفاظ على السلام الاجتماعى وعدم إثارة المشاكل والنزاعات، والتفكير ألف مرة قبل تشريد ملايين الأسر ، أو تهديد أمنهم واستقرارهم ، فالسكن هو السكينة والأمان، وأمان المواطن هو جزء لا يتجزأ من أمن الوطن.
---------------------------
بقلم: سحر عبدالرحيم

مقالات اخرى للكاتب

قانون الايجار القديم .. من يفك الاشتباك بين المالك والمستأجر؟