دخلنا فعليا مرحلة الهدوء ما بعد معركة انتخابات الصحفيين والتي شابت الأسابيع التي سيقتها الكثير من الكلام والجدل، ومحاولة استمالة الناخبين من الصحفيين بكثير من الوعود والخدمات، والقروض، والمزايا، ليس من بعض المرشحين على منصب النقيب فقط، بل من بعض المرشحين على العضوية، في ظاهرة تسبق العديد من الانتخابات، وفي شكل يصفه البعض بأنه "رشاوي" الانتخابات، أو ما يعرف بـ"زجاجة الزيت"، ونصف المئة جنيه، قبل وبعد الانتخابات.
وبنظرة على النتائج يمكن القول إن جل الفائزين من هؤلاء الذين يحملون برامج للمستقبل، سواء للصحفي أو للمهنة والحريات، والوعود بالسعي لتعظيم أوضاع الصحفيين المهنية والاقتصادية، والوعود بتوفير خدمات أكثر وأفضل مما هو متاح، وما هو على أرض الواقع من إنجازات.
قراءتي لبرامج الزملاء الفائزين وعدد لا بأس به من الذين لم يحالفهم الحظ ونالوا أصوات الناخبين من الجمعية العمومية، خلت أو تكاد قد خلت من مفهوم "الرشاوى"، وكلها تتضمن رؤى لدعم مناخ أفضل للعمل الصحفي، وبذل الجهود الرامية إلى حل مشاكل الصحفيين المتعطلين، والصحف المتوقفة، وتعيين المؤقتين، ومخاطبة الجهات الحكومية لحل مشاكل التأمينات الاجتماعية، والسعي نحو تنفيذ وعود حكومية لزيادة البدل، والعمل على تمويل برامج تدريب للارتقاء بأدوات الصحفي المهنية، وغيرها من الخدمات.
كل هذه النوعية من البرامج وغيرها كان لها أثر كبير في نتائج انتخابات التي أرادها أعضاء الجمعية العمومية، بفكر جديد، خصوصا من شباب الصحفيين والذين يمثلون الجانب الرئيسي من أعضاء الجمعية العمومية، وسط حضور غير مسبوق، وصل إلى 56% من اجمالي من لهم حق التصويت، بأكثر من 6 آلاف صحفي، اقترعوا في صناديق الانتخابات في 25 لجنة انتخابية.
والسؤال ماذا يعني ذلك؟... الإجابة مهمة جداً، وهي توجيه رسائل إلى هؤلاء الذين يرغبون في السيطرة على نقابة الصحفيين، والتدخل في شؤونها، وملخصها "ابعدوا عن نقابتنا ولا تتدخلوا فيها؟".
كما أن الاستقواء بوزارات وهيئات حكومية ، اتضح أنه لم يعد له مجال، حتى لو كانت الوعود مرهونة بنجاح هذا المرشح أو ذاك، وهذا ليس انتقاصاً من أي زميل مرشح، بل هذا فكر ورؤي يؤمن بها أعضاء الجمعية العمومية، لأن فكرة الحشد لم تعد لها معنى، خصوصاً أن تركيبة الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين اختلفت كليا، ولم تعد الغلبة فيها للمؤسسات القومية، بل أن هذه المؤسسات لم تعد تلك التي كانت قيادتها تأمر فتُطاع!.
حتى تلك الإدارات في المؤسسات أصبحت عليها خلاف ليس بسبب شخوصها، بل لأسباب تتعلق بالخلاف بينها وبين العاملين فيها والسياسات التي تتبعها..
حكي لي بعض الأصدقاء أن يوم الانتخابات طلبت منهم قيادات صحفية كبيرة، الخروج أفواجا من المؤسسات إلى النقابة للتصويت في اتجاه معين، إلا أن هذا جاء انتقاصاً منهم ومن مؤسساتهم، وجاءت بنتائج عكسية، وهذا واحد من أهم الدروس المستخلصة من انتخابات نقابة الصحفيين.
وفي اتجاه أخر أو قل خطأ آخر، هو حشد الصحفيين من المحافظات في حافلات على نفقة مؤسسات بعينها، في حالة من استمالة الصحفيين ودعوتهم للتصويت في اتجاه معين، فكانت النتيجة سلبية جدا جدا جدا، وبشهادة العشرات من الصحفيين أنفسهم، وهذا درس مهم للاستفادة منه في أي انتخابات.
أعرف جيدا أن بعض من هذا كان يحدث في انتخابات الصحفيين والعديد من الانتخابات في السنوات الماضية، وكان البعض منه يأتي بنتائج سلبية، إلا أن الذي يغيب عن هؤلاء الذين يديرون الانتخابات لم يدركوا حجم التغييرات الذي طرأت على جدول ناخبين يضم أكثر من عشرة آلاف صحفي، بعدما كان يدور حول الثلاثة، أو الخمسة آلاف قبل نحو عشر سنوات.
ومن الملاحظات المهمة أن مفهوم "اطعم الفم تستحي العين"، أو "العصا والجزرة"، التي تم اتباعها في انتخابات هذه الدورة كانت اكثر اتساعا، وعلى حد علمي أن عمليات توزيع "العطايا الانتخابية" قبل الانتخابات لم تحدث بهذا الشكل في أي من انتخابات الصحفيين التي عاصرتها على مدى ما يقرب من 45 عاما، ورغم حاجة الكثيرين لمثل هذا العطايا "المخفضة"، إلا أنها من أهم أسباب ما شهدناه من نتائج سلبية على أصحابها.
الطبيعي والذي لم يدركه من أدار معارك الانتخابات الصحفية لبعض المرشحين، أن تقديم برامج للمستقبل يتعهد المرشحون بتنفيذها حال فوزهم، هي الأكثر قبولاً، في زمن افتقدت فيه الثقة في الكثير من الأمور، والسياسات، التي تروجها جهات مسؤولة، في الحياة العامة، فما بالك في انتخابات فئة من المجتمع، مثل الصحفيين، .. وهذا درس آخر ومهم تخرج به انتخابات الصحفيين.
ومن بين الدروس، هو نوعية من يتصدرون المشهد الانتخابي، لدعم بعض المرشحين، والاختيار هنا مهم، جدا فبعض من تصدروا للدعوة لمرشحين، كانوا من بين المختلف عليهم، والتي عليهم خلاف، بل جاءت بعض ألفاظ وعبارات هؤلاء في المؤتمرات والحملات الترويجية، مؤذية للجميع، واستخدموا عبارات، اساءت لهؤلاء المرشحين أنفسهم، أكثر مما اساءت للمستهدفين من تلك العبارات.
ولا شك أن مشهد انتخابات الصحفيين ونتائجها مثلت أعلى سمات الديمقراطية للجمعية العمومية، وخلى يوم الاقتراع من أي خروج مسيء لحرم قدسية بيت الصحافة المصرية "النقابة"، ومثلت إدارة الجمعية العمومية نموذجا متميزا.
وبنظرة عامة، خاض المرشحون العملية الانتخابية بجدارة، وظهر جيل جديد من النقابين المرشحين، يمثلون مشاريع مهمة قادمة لقيادة العمل النقابي من البيت الكبير للصحفيين في 4 عبد الخالق ثروت بالقاهرة، وحصل 6 أعضاء على أكثر من ألفي صوت، إلا أن لائحة توزيع العضوية، كانت سببا في عدم الفوز بالعضوية، ونال 7 مرشحين على العضوية على أكثر من ألف صوت وقارب بعضهم الألفين، مع ظهور أسماء جديدة، نتمنى أن نراهم في السنوات القادمة، فيما نال 8 مرشحين من 500 صوتا فيما أعلى، وهم بحاجة لجهد أكبر في السنوات القادمة.
ويبقى تقديم التهاني لمن نال شرف عضوية مجلس نقابة الصحفيين وفي مقدمه الزميل النقيب خالد البلشي، والزملاء محمد شبانة، وحسين الزناتي، ومحمد سعد عبد الحفيظ، وأيمن عبد المجيد، ومحمد السيد الشاذلي، وإيمان عوف، وينتظر منهم جميع أعضاء الجمعية العمومية العمل على قلب رجل واحد، لتحقيق طموحات أكثر من 13 ألف صحفي يمثلون قاعدة عضوية نقابة الصحفيين.
--------------------------
بقلم: محمود الحضري