حين يتحول التعليم إلى مسرح جريمة: بين ياسين وياسمين
تعرض الطفل ياسين، البالغ من العمر ست سنوات، للاعتداء الجنسي داخل إحدى المدارس بمدينة دمنهور، على يد صبري كامل جاب الله البالغ من العمر 80 عامًا، وبمساعدة "الدادة" ومديرة المدرسة وفاء إدوارد.
ورغم أن الطفل أبلغ المدرسة بما حدث، إلا أن الميس لم تتخذ موقفًا إيجابيًا، بل ساهمت بالتواطؤ والصمت في استمرار الجريمة ولم تكشف الكارثة إلا عندما لاحظت الأم تغير حالة ابنها النفسية والجسدية، وشعرت بأنه يتألم بصمت.
في زمن انهارت فيه القيم، لم تعد المدرسة بيتا للعلم، بل مسرحا للرعب.
قصة ياسمين، الطفلة ذات السبعة أعوام، ليست مشهدًا من دراما خيالية، بل حقيقة أكثر قسوة من الخيال نفسه
داخل مدرسة بالمرج، لم تتعرض ياسمين فقط لمحاولة اغتصاب وحشية داخل الحمام، بل كانت الكارثة الأكبر فيمن كان يجب أن يحميها.
مدير المدرسة لم يتحرك لإنقاذها، لم يتخذ موقفًا، بل مارس أبشع أنواع التواطؤ
طمأن الطفلة المجروحة قائلًا: "روحي العبي في المراجيح"، وهدد أسرتها كي تصمت خوفًا من الفضيحة علشان لما تكبر تعرف تتجوز.
مشهد مأساوي يعيد إلى الأذهان دراما "لام شمسية"، حيث يتواطأ الجميع على سحق البراءة باسم الخوف الاجتماعي
لكن هنا، نحن لا نشاهد تمثيلًا.. نحن نعيش مجتمعًا مريضًا يخون ضحاياه، ويقدس صورة زائفة عن الشرف.
الصدمة لا تتوقف عند الجريمة؛ بل في أن المتهم اعترف بارتكاب فعلته خمس مرات قبل أن يسقط في المرة السادسة، خمس مرات صمت فيها الجميع وسمحوا للمجرم أن يكرر جريمته رافعين شعار الستر، وهكذا واصل فعلته الشنعاء للمرة السادسة.
كيف وصلنا إلى هنا؟
حين تتحول الشهادة إلى ورقة جوفاء، والمدرسة إلى فخ، والمدير إلى شاهد زور، يصبح الانحدار حتميًا.
نعيش زمن المسخ
تعليم بلا ضمير، مجتمع يرى الضحية مذنبا والجاني بطلاً صامتًا.
إن الوطن الذي يخشى مواجهة جرائمه، ويدفن رأسه في رمال الصمت، هو وطن يسير نحو الهاوية.
لا إصلاح ممكن دون ثورة حقيقية على منظومة الخوف والنفاق.
ياسمين لم تختر الصمت، ولا يجب أن نصمت نحن.
فصوت الطفولة المجروحة أقوى من كل جدران الخوف.
. واقع قاسي ينكشف أمام أعيننا، يوضح كيف أن المؤسسات، التي يفترض أن تكون الحصن الأول للحماية، أصبحت أداة لتكريس الفساد والتستر على الجرائم.
كيف تحول العبث إلى نجاح؟
"حين يحدث التحرّش داخل المدرسة والجامع، فماذا تبقّى من القيم والتعليم؟"
"يجب أن تكون أقصى عقوبة لمرتكب جريمة الاغتصاب هي الإعدام، ليكون عبرةً لكل من تسوّل له نفسه انتهاك البراءة. كما يجب أن نقترب من أطفالنا، نصغي إليهم، ونسألهم يوميًا: ماذا حدث اليوم؟"
كيف وصلنا إلى هنا؟ في زمن صار فيه الشرف نقطة ضعف، أصبح السكوت والتهرب من المسؤولية هو معيار "النجاح". المجتمع لم يعد يهتم بالقيم أو المبادئ، بل أصبح يحترم أولئك الذين يعرفون كيف يتجنبون الفضيحة. انقلبت المعايير: الطفلة الضحية تصبح الجاني، والمسؤول الذي يخون الأمانة يصبح "الناجح.
مجتمع يواصل الإنحياز للجاني علي حساب الضحية، والإنحياز للقاتل علي حساب القتيل وللرجل علي حساب المرأة، مجتمع يسحق ويدوس البراءة بكل وقاحة ثم يبتسم ويدعي أنه ينتصر للطفولة! المجتمع يفضل الستر الزائف والكذب وإخفاء حقيقة العفن الذي ضرب جذور مجتمعنا مدعيا أن الساق سليمة والاوراق مخضرة، بينما تداس كل القيم ".
وها هي قضية ياسمين تصبح مثالًا صارخًا عن الواقع الذي نعيشه. أولئك الذين يحاولون دفع ثمن الصمت، لا يدركون أن هذا الصمت هو القاتل الحقيقي. نحن لا نعيش في "زمن العبث"، بل في "زمن الصمت" الذي يحمي المجرم ويخفي الجريمة.
من المسؤول عن هذا الواقع؟ ليس فقط مدير المدرسة الذي تواطأ، ولا المعلمين الذين لم يتحركوا، بل نحن جميعًا. من خلال السكوت، كلنا نشارك في الجريمة. إذا كان المجتمع لا يقف ضد هذه الممارسات، وإذا كانت القيم الإنسانية قد تراجعت، فكيف نتوقع أن تظل المؤسسات التعليمية ملاذًا آمنًا للأطفال؟
إن وطنًا يعيش فيه ضحايا التحرش في صمت، ويكافأ فيه المجرمون على أعمالهم، يحتاج إلى ثورة ضدد الفساد. ولن نصلح شيئًا إلا عندما يصبح قول الحق فخرًا، والسكوت جريمة
"معالي وزيرة التربية والتعليم،
في ظل الاهتمام المتزايد بتطوير منظومة التقييمات والانضباط والالتزام بالحضور، نرجو أن يحظى العنصر البشري في الميدان التربوي، لا سيما من حيث الصحة النفسية والاتزان العقلي، بالاهتمام المستحق فالمعلم الذي يواجه اضطرابات نفسية حادة قد ينعكس ذلك سلبًا على التلاميذ وعلى بيئة التعلم بأكملها. إن إصلاح التعليم لا يبدأ فقط من القواعد المنظمة، بل من دعم الإنسان القائم على تطبيق هذه القواعد، وتمكينه نفسيا وعقليا ليكون قدوة ومصدر أمان لطلابنا
----------------------------
بقلم: إيمان النقادي