الفائز الحقيقي في انتخابات مجلس نقابة الصحفيين 2023، هم الصحفيون أنفسهم، وصحوتهم، التي أرجو ألا تكون عابرة، ورغبتهم في وقفة حقيقية مع الذات؛ لمراجعة ما آل إليه حال مهنة الصحافة في مصر. في ذلك العام، كتبت من خلال جريدة وموقع المشهد سلسلة مقالات، بدأت بمقال كان عنوانه "انتخابات فارقة"، ناقشت فيها الكثير من المشكلات والتحديات التي تواجهها مهنة البحث عن المتاعب، وأظن أن هذه المقالات كان لها صدى لدى الصحفيين بشكل عام، وصحفيي المؤسسات القومية على وجه الخصوص. وأشرت في هذه المقالات إلى التحولات العميقة التي حدثت في تركيبة الجمعية العمومية للصحفيين التي لم ينتبه إليها كثير من الزملاء، وأنّ هذه التحولات كان لها تأثير بالغ على الوعي الجديد لدى صحفيي المؤسسات، الذي كان حاسمًا في نتيجة الانتخابات التي نالت إعجاب قطاعات واسعة من المجتمع المصري، واعتبرها كثير من المراقبين بداية صحوة عامة، وهي كانت كذلك بالفعل. وأدركت الهيئات والأجهزة التي تدير عادة انتخابات النقابات المهنية، من وراء الكواليس، الأخطاء التي وقعوا فيها في انتخابات 2023، والتي أدّت إلى النتيجة المذهلة التي انتصرت فيها إرادة الصحفيين، ووحدة الجمعية العمومية على القضية والهدف.
لم تكن معركة 2023 معركة نقيب وحسب؛ وإنما كانت معركة نقيب ومجلس، وكانت من الانتخابات القليلة التي قررت فيها غالبية الناخبين معاقبة المقصرين في المجلس السابق، وتحدي اختيارات الأجهزة المسؤولة عن إدارة الانتخابات السيئة للمرشح لمنصب النقيب ولقائمة أعضاء المجلس. رفض عموم الصحفيين الوضع الذي كانت عليه نقابتهم، والتي جرى تكفينها بسقالات ظلت منصوبة على واجهة النقابة، طوال فترة المجلس فيما بين 2021 و2023، والتي جرى خلالها تقليص المساحات التي تتيح للصحفيين أماكن للجلوس، والنقاش، وتبادل الرأي، وطرح همومهم الخاصة والعامة، والموازنة بين مصالحهم الفئوية، والهموم العامة لمهنة شغلها الشاغل هو القضايا العامة التي تهم الجمهور الواسع في المجتمع، الذي يعد الإعلام حقًّا أصيلًا من حقوقه، بموجب المواثيق والعهود الدولية.
تحديات هائلة وخطوات محدودة
التحديات التي تواجهها مهنة الصحافة؛ نتيجة للعديد من المتغيرات العالمية والمحلية، والتي رصدتها المقالات السابقة هائلة، ولا يمكن لأي جهود بذلت خلال العامين المنصرمين أن تحدث فارقًا كبيرًا وملموسًا للتعامل معها ومعالجتها، لكن الأهم أنه كان لدى مجلس النقابة وعي بها وبضرورة التعامل معها، جرى التعامل معها من خلال الملفات والأوراق التي جرت مناقشتها في المؤتمر العام السادس للصحفيين، والذي جرى التحضير له عبر سلسلة من الجلسات، التي كان يعوزها المزيد من التخطيط والجهد للاستفادة من الجميع؛ كي يخرج بصورة ويناقش ملفات مسكوت عنها، يجري استغلالها الآن في المعركة الانتخابية بطريقة المزايدات، وتبادل الاتهامات، وأساليب هجوم أقرب إلى الطعن، والتجريح، والتشهير، والتشويه، وأبعد ما تكون عن النقد البنَّاء الذي يتعامل بمسؤولية جدية مع التحديات، أو بدفاع يبرر الأخطاء أكثر من الاعتراف بها، والرغبة في التعامل معها؛ وهو أمر مستحيل بدون الاعتراف بالأخطاء التي وقع فيها المجلس السابق، الذي لم توزع فيه المهام والمسؤوليات بشكل موضوعي وبعيدًا عن الحسابات الانتخابية الضيقة.
بالتأكيد أن اتخاذ خطوات للتعامل مع التحديات التي يواجهها الصحفيون، خير من الجلوس وانتظار التعليمات. وبالتأكيد أن التعامل مع هذه الملفات والتحديات لا يحتاج لشخصيات تنتظر التعليمات والتوجيهات؛ لاتخاذ قرار مثل قرار الترشح، وكان هذا هو الخطأ البارز لأحد المرشحين على منصب النقيب في الانتخابات الحالية، في وقت تطلع فيه صحفيوا المؤسسات بشكل خاص إلى خوضه الانتخابات السابقة. إن شخصية بهذه التركيبة لا يمكن التعويل عليها في التعامل مع أخطر القضايا التي تتعلق بمصير المؤسسات الصحفية، والصحفيين العاملين فيها، لاسيما في ظل وجود تعارض واضح في المصالح؛ كونه يشغل منصبًا في المجلس الأعلى للإعلام؛ وهذه نقطة سنتطرق إليها بمزيد من التفصيل لاحقًا. لكن يجب التشديد هنا على أن هناك خطوات اتخذت للتعامل مع التحديات، لكنها لم تكن الأفضل، ولا يزال يتعين عمل المزيد من أجل وضع خطط؛ للتكيف مع واقع الصحافة والإعلام المتغير، في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات، وفي عصر الذكاء الاصطناعي الذي يعيد تعريف الإعلام ودوره ورسالته، وينعكس بشكل كبير في المحتوى الإعلامي، وفي ظل التغير الملحوظ في هياكل الملكية، والإشراف، والتوجيه التي تحكم صناعة الصحافة والإعلام في مصر في الوقت الراهن، والتي تعاني مشكلات كثيرة من الفساد، وإهدار المال العام، على النحو الذي كشفته بعض القضايا التي تفجرت في شركة المتحدة، والتي أطاحت بكبار المسؤولين عن الشركة والموجهين لهم. ولا خلاف على أنها سبب رئيسي في تراجع الإعلام والدراما في مصر.
إن أزمة الصحافة والإعلام في مصر، والتعامل معها ومعالجتها، مهمة لا تقع فقط على عاتق الصحفيين ونقابتهم؛ وإنما تقع على عاتق المجتمع بأسره، والدولة، وأجهزتها، ومؤسساتها، وتتطلب من الجميع متابعة التطورات الحادثة في مهنة الصحافة، وأشكالها المتطورة في العالم، والاستفادة من الدراسات والبحوث التي تجريها مؤسسات أكاديمية وبحثية معنية، والنظر إلى التطور في أشكال الصحافة الجديدة وهياكل ملكيتها. لن أستفيض في هذا المقال في الحديث عن التحديات التي تواجهها مهنة الصحافة، والتي قد تحتاج إلى تناول أكثر تركيزًا وتفصيلًا، لكن سأركز فقط على دور المحتمل لنقابة الصحفيين في ملف مستقبل المؤسسات الصحفية ومسؤولياتها، بوصفها النقابة الوحيدة التي يقع على عاتقها مهمة حماية الصحفيين.
التحدي أمام صحفيي المؤسسات
في انتخابات 2023، كان هناك حرص على إسقاط فكرة المرشح المدعوم من الدولة ومن مؤسساتها، سواءً لمنصب النقيب، أو لعضوية المجلس، وحسناً فعل خالد ميري، المرشح المنافس على منصب النقيب، حين صرح في أكثر من مناسبة بأنه ليس مرشح الدولة؛ وهو ما لم يفعله مرشحون آخرون ينافسون على مقاعد في المجلس، وجرى تلقينهم درسًا من الصحفيين الذين حرصوا على إسقاطهم بشكل مهين، وحسنًا فعل النقيب السابق، ضياء رشوان، حين أكد في اجتماع الجمعية العمومية أن البدل حق للصحفي، ولا يجوز أن يكون ورقة للمزايدة في الانتخابات. إن المكاسب التي حصل عليها الصحفيون في الانتخابات السابقة؛ نتيجة لوحدة الجمعية العمومية، والوعي بخطورة هذه الانتخابات وما قد يترتب عليها، مهددة الآن نتيجة للعودة إلى أساليب قديمة عفا عليها الزمن وتجاوزها الواقع. فلم يعد من المناسب مثلا، أساليب الحشد المؤسسي على النحو الذي تحدث به أسامة سرايا، رئيس تحرير الأهرام السابق وعضو مجلس النقابة السابق، في حديثه عن التزام صحفيي الأهرام بالتصويت لعبد المحسن سلامة المرشح لمنصب النقيب، في حين أن السؤال الملحّ بالنسبة لصحفيي الأهرام وصحفيي المؤسسات القومية الأخرى يتعلق بما يمكن أن يفعله مرشح الأهرام الذي يفاخر أيضًا بأنه يشغل منصبًا في المجلس الأعلى للإعلام بخصوص مستقبل المؤسسات الصحفية.
لقد قام سلامة بجولات كثيرة في المؤسسات الصحفية، لم نسمع في أي منها رأيه فيما هو مطروح بخصوص مستقبل المؤسسات الصحفية، وتصوره لدور النقابة عندما يبدأ تنفيذ خطط الدمج والتفكيك والإغلاق، لم نسمع له رأيًا فيما سيفعله كنقيب للصحفيين، في الدفاع عن حقوق صحفيي المؤسسات التي جرى إهدارها على مدى العقود الماضية؛ وهي أمور يعلمها ويشعر بها الصحفيون في مؤسسة الأهرام، ويعانون منها. كيف سيدافع عن حقوق الصحفيين في حالة تصفية بعض هذه المؤسسات؟ كل ما اقترحه في وضع الصحفيين غير المعينين في هذه المؤسسات هو منحهم عضوية منتسبة في النقابة، لكنه لم يناقش المشكلات الخاصة بالأجور، والمكافآت، والتأمينات، وحمايتهم، وأعتقد أنَّ مثل هذا النوع من القضايا والمشكلات بعيد عن تفكيره، وبالتأكيد لن يجرؤ على مناقشة التفاوت الهائل في أجور الصحفيين في الصحف التابعة لشركة المتحدة؛ والتي يذهب أكثر من نصف ميزانية الأجور فيها لقلة من القيادات التنفيذية، والتحريرية، ولا يحصل الصحفيون فيها على الحد الأدنى للأجر، ناهيك عن قضية الأجر العادل، وأتمنى أن يثبت الزميل عبد المحسن سلامة لي ولزملائه في الأهرام، وفي المؤسسات الأخرى، عكس ما قلت، وأن يخيب ظني ويخرج للجمعية العمومية للصحفيين ولو بتصريح واحد، يوضح فيه موقفه بخصوص المؤسسات الصحفية وكيفية إصلاحها، خصوصًا أنه كان رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام، ولا أريد أن أخوض في تفاصيل فترة ولايته في المؤسسة؛ كي لا أضرّ بوضعه في المنافسة على منصب نقيب الصحفيين، الذي سبق وأن شغله في ظل انتخابات، كان يغلب عليها طابع تصفية الحسابات بعد واقعة اقتحام الأمن لمقر النقابة، وما سببته من أزمة أثرت على النقابة على الصحفيين. للأسف أرى في كثير من خطابات المحسوبين عليه هذه الروح المرتبطة بمنطق تصفية الحسابات.
لا يزال التحدي أمام صحفيي المؤسسات، وفي مقدمتهم صحفيو الأهرام، قائمًا كما كان في انتخابات 2023، بل أصبح أكثر إلحاحًا، مع بدء الكشف عن بعض التصورات بخصوص مستقبل هذه المؤسسات، والتغير الذي حدث في البيئة الصحفية بعد تشكيل شركة المتحدة التي استحوذت على معظم الصحف الخاصة والمستقلة، والعديد من المواقع الإلكترونية، والمنصات الإعلامية، وصناعة المحتوى في مجالي الإعلام والترفيه. هل سيكرر صحفيوا المؤسسات موقفهم في الانتخابات المتوقع أن تجرى يوم الجمعة 2 مايو بعد تأجيلها شهرين؛ بسبب المواسم والأعياد، ويصوتون على نحو ينبه المسؤولين إلى همومهم، ومشاكلهم، وتطلعاتهم، ويدافعون عن مصالحهم؟ بالتأكيد إن هذه المشكلات تتطلب نقيبًا له مواقفه المستقلة، ومهاراته التفاوضية، ومتفرغ لمهام وأعباء منصبه، ولا يرغب في إضافة منصب آخر للمناصب التي يشغلها، وانحيازه واضح للصحفيين، وبعيد عن شبه تضارب المصالح وتعارضها. السؤال الذي أطرحه على عبد المحسن سلامة، إذا فاز بمنصب نقيب الصحفيين عن موقفه في مسألة المؤسسات، هل سيتصرف بمقتضيات منصبه في المجلس الأعلى للإعلام، التي تملي عليه تنفيذ السياسات العامة للحكومة في هذا الملف، أم سينحاز للصحفيين العاملين في هذه المؤسسات ومصالحهم؟ كيف سيوفق بين هاتين المصلحتين المتعارضتين بحكم شغله المنصبين؟ ألن يتعارض احتفاظه بمنصبه في المجلس الأعلى إلى جانب منصبه كنقيب للصحفيين؟ أم أنه سيستقيل من المنصب في المجلس امتثالًا لقانون نقابة الصحفيين؟ أم سيطلب استثناءه مثلما فعل ضياء رشوان؟ والأهم هل سيصوت صحفيوا المؤسسات لمرشح موقفه من قضية مصيرية كهذه القضية غير معروف؟
قضايا ملحة معلقة
هناك قضيتان أساسيتان مطروحتان بإلحاح في هذه الانتخابات، ويتعين على النقيب ومجلس النقابة سرعة اتخاذ إجراءات بشأنهما بعد الانتخابات مباشرة.. القضية الأولى هي قضية قيد الصحفيين الجدد. هناك مشكلات كثيرة باتت معروفة في لجان القيد بجدول الصحفيين؛ هذه القضية كانت ملحة في الانتخابات السابقة، وباتت أكثر إلحاحًا في هذه الانتخابات. لا شك أن تدهور مستوى المهنة له صلة وثيقة بهذه القضية. فقد أشار الصديق العزيز جلال نصار، من الأهرام، إلى أن الصحافة باتت "مهنة من لا مهنة له"، نتيجة لتسرب إلى الجدول أعداد لا حصر لها، ممن استطاعوا بطريقة أو أخرى الوفاء بالاشتراطات الشكلية والرسمية؛ للحصول على عضوية نقابة الصحفيين، ووقائع الفساد في هذا الملف لا تخفى على كثير من المشتغلين في الصحافة، في حين أن هناك عشرات الصحفيين الموهوبين الذين يمارسون المهنة في ظروف بالغة السوء والخطورة، محرومون من الانضمام للنقابة. ويصف نصار هذا الأمر المستمر منذ سنوات بأنه "تخريب ممنهج لجداول القيد" في النقابة أدى إلى تغيير هوية مهنة الصحافة ومكانتها "شكلًا ومضمونًا" وأفقدها صفة النخبوية، وغيبت خلالها المعايير، وأعتبر أن كارنيه النقابة سند وحيد لأن يكون حامله صفة الصحفي، في حين أنه مهنيًّا ومعرفيًّا لا يملك المقومات الأساسية لممارسة المهنة، والقيام بأعباء رسالتها؛ ونتيجة لذلك دخول شريحة ما كان يجب أن تدخل مهنة الصحافة، كان لها تأثير سلبي على صورة الصحفي ورسالته. ويضرب هذا الأمر في الصميم المهمة الرئيسية، والدور الأساسي لنقابة الصحفيين كنقابة مهنية، مهمتها الأولى هي الدفاع عن المهنة، والارتقاء بمستواها، ومستوى العاملين فيها. ويطرح هذا ملف التدريب الذي سبق وأن طرحته في المقالات السابقة. ومن المؤكد أن هناك دورًا كبيرًا لنقيب الصحفيين ومجلس نقابة الصحفيين في هذا الملف، ويتطلع الصحفيون وأنا منهم لأن يحظى بأولوية على جدول أعمال المجلس القادم.
القضية الثانية الملحة والتي باتت أكثر إلحاحًا، ومن المتوقع أن تتفاقم في المستقبل، هي قضية صحفيي المواقع الإلكترونية. سبق وأن أشرت في أكثر من مقال، في سلسلة المقالات التي كتبتها بمناسبة انتخابات 2023، إلى أن التغير في وسائط النشر؛ نتيجة للثورة التكنولوجية، يحتم علينا إعادة النظر في التقسيم القديم، الذي كان يفصل بين الصحافة الورقية، والمطبوعة، ووسائل الإعلام، وأن نعيد تعريف الصحفي على نحو لا يقصر المهنة على شكل واحد فقط، هو الصحافة الورقية والمطبوعة، خصوصًا مع الاتجاه المتزايد للصحافة الإلكترونية. من الواضح أنّ هذا الأمر لم يدرس بشكل كافٍ على النحو الذي يظهر من خلال طريقة التعامل مع صحفيي المواقع الإلكترونية في الانتخابات الحالية، فيما يخص قيد الصحفيين العاملين في هذه المواقع وحقوقهم؛ بما في ذلك حقهم في البدل. إن هذه القضية تحتاج إلى مزيد من الجهد من الصحفيين، ونقابتهم، وهي من القضايا الأولى باهتمام المجلس القادم.
بقيت كلمتان بخصوص الانتخابات الحالية.. الكلمة الأولى بخصوص ظاهرة سلبية أثّرت على أداء مجلس النقابة في الدورة السابقة، تمثلت في شغل بعض أعضاء المجلس منصبين أو أكثر؛ وهو أمر أثَّر سلبيًّا على صورة المجلس وأدائه، وهو أمر يتعين مراجعته وتصحيحه. الكلمة الأخرى تتعلق بدعوة لمقاطعة الانتخابات الحالية؛ بسبب ما يراه البعض تردّيًا في أسلوب الدعاية الانتخابية، أرى أنها شديدة الخطورة، ولا تتناسب مع حجم التحديات التي يواجهها الصحفيون وطبيعتها، ولصحفيي المؤسسات مصلحة أكيدة في المشاركة في الانتخابات في ظل تغير تركيبة الجمعية العمومية في العقدين الأخيرين.
--------------------------
بقلم: أشرف راضي