30 - 04 - 2025

ترامب .. بهلوان واشنطن

ترامب .. بهلوان واشنطن

منذ اللحظة التي اعتلى فيها دونالد ترامب سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، تكون لديّ انطباع راسخ بأن الشعب الأمريكي يجب أن يتحمل مسؤولية تصحيح المسار بعزل هذا الرئيس، قبل أن يجد العالم نفسه مضطرًّا إلى التعامل مع عزلة أمريكية متزايدة عن المجتمع الدولي.

لقد أظهر ترامب، منذ الأيام الأولى، خلطًا واضحًا بين أساليب إدارة الأعمال الترفيهية كنوادي القمار، التي خبرها عن قرب، وبين فنون إدارة العلاقات الدولية التي تتطلب الحكمة، والدراية العميقة بالتاريخ، والتوازن الدقيق في التعامل مع الشعوب والدول.

في سابقة خطيرة، أعلن ترامب قبل توليه منصبه عزمه على عدم احترام الاتفاقية التي وقعها الرئيس الأسبق جيمي كارتر، بشأن نقل سيادة قناة بنما إلى الحكومة البنمية، في خرق واضح لمبادئ القانون الدولي، وللأعراف الدبلوماسية التي رسختها الولايات المتحدة ذاتها عبر العقود. هذا التوجه لا يُعدّ فقط إخلالًا بالالتزامات الدولية؛ بل يضرب مصداقية النظام السياسي الأمريكي، الذي لطالما كان يعتبر احترام الاتفاقات ركيزة أساسية في سياساته الخارجية.

وعندما تحدث ترامب عن قناة السويس، كشف حديثه عن قصور معرفي واضح فيما يتعلق بالوضع القانوني والتاريخي لهذه القناة الحيوية. فمشروع حفر قناة السويس الذي بدأ عام 1859 واكتمل في 1869، تم بجهود عشرات الآلاف من العمال المصريين الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لهذا الإنجاز العظيم، وبتمويل مصري بالأساس.

وكانت القناة منذ بدايتها مشروعًا مصريًّا سياديًّا، رغم محاولات القوى الاستعمارية السيطرة عليها لاحقًا.

جدير بالذكر أن أزمة السويس عام 1956 جاءت إثر قرار الزعيم المصري جمال عبد الناصر بتأميم القناة، بعد أن كانت تحت إدارة شركة قناة السويس التي كانت تخضع لمصالح بريطانية وفرنسية.

وقد شكّل العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل على مصر محطة فارقة في التاريخ الحديث؛ إذ مثّل بداية النهاية للإمبراطورية البريطانية في الشرق الأوسط، وأسهم في إعادة تشكيل النظام الدولي؛ بما منح دول العالم الثالث صوتًا أقوى في المنتديات الدولية.

من هنا، فإن تصريحات متسرعة أو غير مدروسة بشأن قناة السويس، أو مقارنات سطحية تنم عن جهل بتاريخها وقيمتها، تُظهر قصر نظر سياسي لا يليق برئيس لدولة كبرى.

إن الأداء الذي يظهره الرئيس ترامب على الساحة الدولية يوحي بالافتقار إلى الدراسة المتأنية، والاعتماد المفرط على الاستعراض الإعلامي بدلًا من البناء الدبلوماسي المدروس. وهذه سمات لا تساعد على تعزيز دور أمريكا القيادي في العالم، بل تفتح المجال أمام مزيد من التراجع وفقدان الثقة.

ختامًا، ربما يكون من المفيد للرئيس ترامب أن يطالع مذكرات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق أنطوني إيدن، الذي قاد بريطانيا إلى واحدة من أكبر إخفاقاتها في القرن العشرين خلال أزمة السويس. ففي قراءة التاريخ دروس، لمن أراد أن يتفادى تكرار المآسي.
-------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية الأسبق


مقالات اخرى للكاتب

قناة السويس .. نبوءة حكماء دلفي !