30 - 04 - 2025

الفكر الديني والمؤسسات الدينية

الفكر الديني والمؤسسات الدينية

هل هناك علاقة بين الإيمان (الذي هو علاقة خاصة بين الإنسان وبين الله) وبين المؤسسات الدينية؟ أي هل يجب أن يكون هناك دور للمؤسسات الدينية فى تلك العلاقة الخاصَّة بين الإنسان وبين الله؟ أعتقد أن الإيمان الحقيقي بالله الواحد قيمته العظيمة والسامية هى تلك العلاقة الخاصة بين الإنسان وبين الله. (الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل). (لايعلم الإنسان غير الإنسان الساكن فيه). (الله فاحص القلوب والكلى).

إذن ما حكاية هذه المؤسسات إذن؟ بالنسبة للكنيسة: فالكنيسة هى جماعة المؤمنين. (إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون في وسطهم). أي أن الكنيسة لا تعني تلك المباني الفاخرة والفخمة والفاخمة التي يتم من خلالها التسابق والتنافس على من يبنى أفخر وأفخم مباني، لا علاقة لها ببناء النفوس الذي هو الدور الأساسى لجماعة المؤمنين!!! هنا وإذا نظرنا البدايات التاريخية نجد أن هذه المباني، وتلك المظاهر، وذلك التفخيم هو نتاج علاقات وصراعات سياسية فى المقام الأول، ولا علاقة لها بالقيم الروحية الحقيقية للمسيحية، ولا يوجد بينها وبين مظهر وشخصية السيد المسيح أي علاقة من قريب أو من بعيد!! 

فالمتغيرات السياسية العالمية والمحلية فرضت سياقًا ماديًّا شكليًّا على جماعة المؤمنين (الكنيسة) وحولتها إلى مؤسسة أخذت مسمى الدينية؛ لارتباط دورها بالعقيدة الدينية. والمؤسسة هنا: أي مؤسسة لا بد لها من تراتبية تنظيمية تديرها تنظيميًّا. كما يصبح هناك احتياج لمقدرات وإمكانيات لكي تقوم القيادات التنظيمية بالقيادة. وطالما هناك مؤسسات مختلفة أخرى، فهناك صراع بل صراعات للحفاظ على التواجد؛ بل لكسب مزيد من التابعين للمؤسسة فى مواجهة المؤسسات الأخرى سواء من نفس الدين أو من دين آخر!!! 

كل هذا وغيره كثير يجعل المؤسسة أي مؤسسة دينية مسيحية وإسلامية خاصَّة أن الأزهر (جامع وجامعة ولا يوجد كهنوت أو رجال دين) حفاظًا على اتباعها، وعلى تاريخها، وعلى مكاسبها تحاول وتعمل على الحفاظ على تراثها اللاهوتى والفقهي تصوّرًا منها أن هذا التراث هو الحقيقة المطلقة، والثوابت التي لا تتغير، وبالتالي لا بد للمؤسسة من الحفاظ على ذلك التراث؛ حتى لا يتم تفعيل عقول الأتباع للمناقشة والاجتهاد فى تراث، وفقه، ولاهوت وضعه واجتهد فيه بشر قاموا بدورهم المقدر، حسب مكانهم وحسب زمانهم، مع العلم أن دور المؤسسة أيًّا كان اسمها أن تدعو إلى الاجتهاد، وتفعيل العقل، وتشحذ الفكر بما يتواءم مع متغيرات الزمان والمكان. وهذه هي القيمة الحقيقية للعقائد الدينية التي هي صالحة لكل زمان ولكل مكان. فثبوت النص، وديمومته فى مواصلة وتواصل التفسير والاجتهاد والتأويل للنص.

وعلى ذلك نجد أن المؤسسات الدينية قد اتّصفت طوال التاريخ بحالة من الجمود الفكرى؛ حفاظًا على الموروث (كل الموروث)؛ ولذلك وجدنا ونجد تلك الصراعات بين فكر هذه المؤسسات التقليدي، وبين تلك الأفكار، والاجتهادات التجديدية المطلوبة الآن لمسايرة تلك المتغيرات التي تجتاح العالم فى كل الاتجاهات. هنا لا نريد أن نعطي أمثلة لمثل تلك المواجهات اللاهوتية، والفقهية بين بعض المفكرين، وبين المؤسسات الدينية؛ فالتاريخ خير شاهد. في الوقت الذي يؤكد فيه التاريخ صحة تلك الأفكار التجديدية التي حوربت، وتم نعتها بالكفر والهرطقة. فلا يصح غير الصحيح. مع العلم أن الوطن يعيش الآن مواجهات حادَّة وغير مسبوقة تحتاج أول ما تحتاج لتجديد الفكر الديني في هذه المؤسسات الإسلامية، والمسيحية، خاصَّة فى إطار إظهار وتأكيد الدور الإنساني للأديان. الإنسان الذي كرّمه الله (دون النظر لديانته). الإنسان الذي أوجد له الله الأديان لصالحه. حفظ الله مصر، وشعبها العظيم على أرضية الإنسانية المصرية العظيمة والخالدة.
--------------------------
بقلم: جمال أسعد






مقالات اخرى للكاتب

الفكر الديني والمؤسسات الدينية