(عزيزي
المقال مليءٌ بالتشبيهات الجميلة والعميقة وسِعَة الاطلاع ونقل خبرات من بيئات مختلفة. لقد زرت عُمان مرةً ورأيت جزءًا مما أشار إليه المقال، ولكنني لم أُحِطْ بالتفاصيل العميقة التي رأتها عين خبيرٍ لا يَرَى مجرد ما هو ظاهرٌ على السطح فقط، ولكنه يغوص في المشاهد والمعاني.
إن عُمان، وإن كانت جزءًا من المجتمع الخليجي، إلا أنها تتميز بأنها تنتمي أكثر إلى البيئة البحرية وليس الصحراوية. فـعُمان، على مدى تاريخها، كانت محطةً رئيسيةً في طريق التجارة مع الهند. حيث احتلها البرتغاليون لتأمين تجارتهم مع الهند، لذا يظهر فيها الأثر الهندي.
وبالتالي، فهي تلعب منذ القدم دورَ نقطة الاتصال بين الثقافات والقوى المختلفة، مما أهلها لأن تكون مَحَلًّا للتفاوض الإيراني الأمريكي. ونذكر أيضًا، التفاوض السعودي اليمني أثناء حرب السعودية مع الجماعات اليمنية.
فدائمًا ما تتحدد المواقف السياسية للدول بناءً على ما تمليها المصالح وموازين القوى، ولكن قبول الآخرين بأن تكون دولةٌ ما مكانًا لِعَقْد اجتماعات وجولات تفاوضٍ يتطلب أكثر من مواقف سياسية، وإنما سياقًا تاريخيًا وحضاريًا.
كما أن وصف التفاوض بين أمريكا وإيران بـمفاوضات بين ابن تاجر معاطف وابن تاجر سجاد لَطيفٌ جدًا ومُوحيٌ. فالسجاد الإيراني هو رمزٌ للعراقة والجمال والعمل اليدوي في أرقى صوره، والمعاطف الأمريكية هي رمزٌ للصناعة والحداثة والموضة والإنتاج بالجملة. فكل شخصٍ يحتاج معطفًا، ولكن الأسرة فقط هي من تحتاج سجادةً.
وبالتالي، فإن كانت المفاوضات تعتمد على مهارة المفاوضين، إلا أنها تخضع في النهاية لموازين القوى، علمًا بأنها ليست فقط القوى المادية، ولكنها تشمل أيضًا القوى المعنوية والإيمان بالحق. فالمفاوض الأمريكي في هذه المفاوضات ينوب عن إسرائيل أكثر من أن ينوب عن أمريكا نفسها، أو حتى دول الخليج. فقد كانت أمريكا والغرب عمومًا موافقين على التوجهات الإيرانية النووية أيام الشاه، رغم سياسته الفوقية في التعامل مع دول الخليج، ولكن تغيرت بوصلتها 180 درجةً حينما انتقلت إيران من الدول الداعمة لإسرائيل (كان الشاه يُمدُّها بالبترول)، إلى صف الدول المعادية لها.
وبالتالي، فالتفاوض له جانبٌ عقائديٌّ أكثر من جانبه المادي، وهو ما يمثل تحديًا لابن تاجر السجاد وابن تاجر المعاطف).
تعقيب الدكتور حافظ السلماوي، الرئيس الأسبق لمرفق الكهرباء والأستاذ بكلية هندسة الزقازيق، على مقال "مسقط.. عندما تتحصن السياسة بالجغرافيا"، المنشور في نفس الزاوية.
أيضًا، تصويبٌ واجبٌ، إذ لفتت انتباهي السيدة الفاضلة جميلة مطر، المدير الأسبق لإدارة الطاقة بجامعة الدول العربية، أن مقر جامعة الدول العربية نُقِل عام 1979 إلى تونس، بناءً على نتائج اجتماع بغداد.
---------------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]