30 - 04 - 2025

حَضَروا!

حَضَروا!

لا تزال تشددات محمد عبد اللطيف، وقلة رفقه بالأمور تحمله على المراكب الصعبة، وتنزله المنازل الوعرة، وتفتح عليه أبوابًا من القيل والقال، وتبدي صفحته لكل طاعن أو هامز أو متربص، ولا تزال أخباره المتتابعة إمَّا منظورة بين يدى القضاء، أو منشورة بين يدى القرّاء، أو مطروحة بين يدى النواب، وقد أهاج هذا الأمر طائفة من الناس رأوا لمحمد عبد اللطيف من الفضائل والمحاسن ما لم يره مئات الألوف من المعلمين، والملايين من أولياء الأمور، فانبروا يدافعون عنه، ويذُبُّون عن كرسيّه إمّا لمطمع في مغنم، أو عن يقين منهم بصواب عمله، وكان مما أعجبهم من الرجل، واحتجوا به فى مناصرتهم إياه وزيرًا، ومنافحتهم عنه متَّهمًا أنهم زعموا أن تشدداته قد حملت الطلاب على الحضور إلى مدارسهم، بعد أن كانوا قد هجروها دهرًا واتَّخذوا الدروس الخاصَّة بديلًا منها، فلما جاء وحيد زمنه وفرد عصره رَدَّهم إلى المدارس، ورَدَّ إلى المدارس اعتبارها، وأغنى الطلاب عن الدروس الخاصة (كلها أو بعضها)!

وهذا توهّم منهم (إن أحسنّا الظن بهم) فهلم نحن وهم فلنحصى ونثبت من حضر ومن غاب منذ أمضى (القرار ١٣٦)، لقد حضرت الدفاتر ذات الأقسام الثلاثة، وحضرت سجلات الرصد والتقييم، وحضرت أعمال كتابية ملأت صحائف وسودت سبورات، وحضرت جسوم المعلمين والمتعلمين؛ فكل هؤلاء قد أفلح محمد عبد اللطيف أن يحشرهم جميعًا فى فترة دراسية مدتها بين ٨٠ دقيقة لمدارس الفترتين أو ١١٠ دقيقة لمدارس الفترة الواحدة، وبينما هؤلاء جميعًا يتزاحمون، ويتدافعون، ويتعثرون فى الثوانى والدقائق إذ سقط التعليم سهوًا من سجل الحاضرين!

لقد صار حضور الحاضرين لأجل استيفاء أوراق ومهمات وتقييمات، لا لأجل التعليم والدرس؛ ذلك أن معاليه قد شغل وقت الدراسة بأعمال كتابية وتحريرية، فلم يبق بين يدى المعلم والمتعلم كثير وقت لتعليم أو تعلم، فانتكس الطالب إلى الدروس الخاصَّة مضطرًّا أشدَّ ما يكون الاضطرار إليها، إذًا فمن حيث لا يريد قد أحدث محمد عبد اللطيف رواجًا لسوق الدروس الخاصَّة، وجعل الحاجة إليها أشدَّ من ذي قبل؛ لاستهلاك كثير من الوقت المدرسي فى تنفيذ كتابيات القرار (١٣٦)، فأصبحت المدرسة للتقييم وأصبح الدرس الخاص للتعليم! فلو أني كنت أحد أرباب الدروس الخاصَّة لكنت أسعد الناس حظًّا بمعاليه، ولتمنيت بقاءه بمنصبه دهرًا طويلًا.

لقد عمل الجميع هذا العام ليس لإنجاح التعليم المدرسى، بل لإنجاح القرار (١٣٦ تقييمات)، وعمل الجميع انتصارًا لتحدٍّ تعهد به محمد عبد اللطيف بإرجاع الطلاب إلى المدارس، فصار الكل خدمًا وكَتَبَة ورَصَدَة لأوامر معاليه، وأُغفل العمل الأول المنوط بالوزارة وهو التعليم!

وأيًّا ما قلنا فى شأن الرجل فإنَّ له فضائل ليس يعدمها، ولسنا نجحدها، فلقد انتفعت بقراراته طوائف وفئات من بائعي الدفاتر والكراسات، وسائقى التكاتك والمركبات، والباعة الجائلون والجائلات، وأرباب الدروس والمحاضرات، فكل هؤلاء راضون عنه داعون لقراراته بطول البقاء!
-------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

حَضَروا!