30 - 04 - 2025

قناة السويس هي الهدف بعد غزة

قناة السويس هي الهدف بعد غزة

القضية ليست غزة وكفى، وإنما توجد رغبة أمريكية استعمارية للسيطرة على التجارة العالمية، وخاصة على الممرات المائية الحيوية في العالم.

الهدف الأمريكي بعد غزة، إذا رضخت مصر، لطلب التهجير، سيكون قناة السويس، فأمريكا استطاعت السيطرة على قناة بنما عبر "الريموت كونترول"، فبعد تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاستيلاء على القناة بالقوة العسكرية، سارعت حكومة بنما إلى الانسحاب من "مبادرة الحزام والطريق"، وفك التحالف مع الصين، والسماح للسفن الأمريكية بالعبور دون دفع أية رسوم.

هذا هو النموذج الذي يريده ترامب من كل الممرات المائية الحيوية في العالم، بما في ذلك قناة السويس، فهو يتطلع، وإن لم يقل ذلك علنًا حتى الآن، إلى انسحاب مصر، مثل بنما، من "مبادرة الحزام والطريق"، وتوظيف قناة السويس لخدمة التجارة الأمريكية في المقام الأول؛ لضمان نجاح الاستراتيجية الأمريكية للحد من النفوذ الاقتصادي للصين في المنطقة والعالم.

إن العقلية الاستعمارية الأمريكية التي تسعى للسيطرة على قطاع غزة، بما يحويه من ثروات واعدة في مجال الغاز الطبيعي، وبما يتمتع به من دور مستقبلي في خدمة "مشروع الممر الهندي - السعودي - الإسرائيلي"، هي التي تحرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وليس الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي فقط.

الرئيس الأمريكي ليس فقط مطورًا عقاريًّا، وإنما قناص مشروعات وأموال، وهو لن يكتفي فقط بالتصور الذي تبناه الرئيس السابق جو بايدن ل"مشروع الممر الاقتصادي الهندي - السعودي - الإسرائيلي" بصيغته التي طرح بها لمنافسة "مبادرة الحزام والطريق"، الذي تلعب فيه قناة السويس دورا محوريا، بل إنَّه سيعمد إلى ضرب كل مسارات المبادرة الصينية، خطوة خطوة، بشكل كامل، وهو ما يعني أنَّ قناة السويس تقع في قلب المعركة الجارية الآن بشأن تهجير الفلسطينيين.

وهذا يعيدنا إلى أهداف الحرب "الدونكشوتية" التي افتعلتها الولايات المتحدة مع الحوثيين، والتي رفضت مصر الانجرار إليها، فالأساطيل الأمريكية التي تقدمتها حاملات الطائرات لم تأت إلى جنوب البحر الأحمر والمحيط الهندي، من أجل حماية حركة السفن الإسرائيلية فقط من الهجمات الحوثية، وإنما جاءت لتعزيز "مشروع الممر الاقتصادي الهندي - السعودي - الإسرائيلي" على حساب قناة السويس، كي تبرهن للعالم أن القناة يمكن أن تصبح غير آمنة، وأن "مشروع الممر الاقتصادي الهندي- السعودي- الإسرائيلي" هو البديل الآمن مستقبلا.

المشكلة الحقيقية أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن هذا المشروع قد يستغرق تنفيذه نحو عقد من الزمن، ويحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات، ومن ثَمَّ فإن عاملي الزمن والتمويل يشكلان عقبة كبرى أمام الطموح الأمريكي الجامح  للسيطرة السريعة على حركة التجارة الدولية في مواجهة الصين، ومن ثم فإن قناة السويس قد تكون البديل السريع لتحقيق الاستراتيجية الأمريكية.

المزعج في الأمر أن "مشروع الممر الاقتصادي الهندي - السعودي - الإسرائيلي" يحظى بموافقة ودعم  قوي من دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، التي أعلنت نيتها عن استثمار 600 مليار دولار، لخدمة الطموحات الأمريكية، وأغلب الظن أن هذا المبلغ سوف يوجه إلى مشروع الممر الاقتصادي، وهذا أيضًا هو حال الإمارات، وقطر، والبحرين، فهم من المتحمسين والمستفيدين من المشروع.

وكان لدول الإمارات، والسعودية، والأردن دور كبير في إنشاء صورة مصغرة من هذا الممر الاقتصادي، خلال "طوفان الأقصى"؛ حيث ساهمت هذه الدول في تزويد إسرائيل بما تحتاجه من سلع ومواد غذائية، تعويضًا لها عن توقف الحركة في ميناء "إيلات"، بعد الضريات التي وجهها الحوثيون للسفن الإسرائيلية، وللسفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.

وهذا يعني أن الموقف العربي، في جوهره،  ليس موحدًا في مواجهة الأطماع الأمريكية، بل إنه في حقيقته، موقف رخو وانتهازي يصعب التعويل الكامل عليه.

الموقف صعب جدا، ويتطلب من الدولة المصرية صبرًا استراتيجيًّا،  متسلحًا بالهدوء، وبردود وتحركات قوية، فالمعركة شرسة، وتتطلب توسيع دائرة التصدي للأطماع الأمريكية، ليس فقط من خلال التحالف العربي، وإنما بتحالف إسلامي واسع وقوي، ودعم إقليمي ودولي، قادر على التأثير في الموقف الأمريكي، على أرضية التصدي للأطماع الاستعمارية الأمريكية في المنطقة والعالم.

إن القبول بمخطط تهجير الفلسطينيين، تحت أي ظرف، سوف يفتح شهية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لما هو أبعد من قطاع غزة، وفي المقدمة قناة السويس.
----------------------------------
بقلم: أحمد الكناني
(نشر هذا المقال على صفحة الكاتب بفيس بوك يوم 12 فبراير الماضي وقبل تصريح ترامب الأخير بشهرين و14 يوما)


مقالات اخرى للكاتب

قناة السويس هي الهدف بعد غزة