بعد مجيء اليمين الصهيوني إلى سدة الحكم في إسرائيل، بدأ مخطط تصفية وإنهاء القضية الفلسطينية منذ عام 2017، وذلك من خلال حسم ملفات الصراع الرئيسية، بشطب قضية اللاجئين، وتقليص عمل الاونروا، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وارتفاع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، مع تعميق وتوسيع عملية التطبيع مع الدول العربية، وتشديد الحصار على غزة؛ والذي هو حقيقة يهدف إلى حصار المقاومة، وإضعافها، ومنع انتشارها رأسيا وافقيًا، مع إدارة الانقسام الفلسطيني في الساحة العربية؛ بحيث لو تمت مصالحة تكون عبارة عن استسلام معسكر المقاومة لصالح معسكر التفاوض والتطبيع.
مع العمل المركز على حسم قضية القدس والاقصى بالتهويد الكامل، من خلال الإحلال الديني بالتدريج؛ عبر توسيع التقسيم الزماني والمكاني، والتأسيس المعنوي للهيكل، وإقامة الحاخامات للصلوات، والطقوس التعبدية، والملحمية في المسجد الأقصى، مما ألهب وأشعل رد فعل المقاومة في المواجهات القصيرة التي سبقت طوفان الاقصى، وتبين أن المقاومة مستمرة في تعزيز وتطوير قدراتها ومراكمة القوة، والدليل: تطور إطلاق الصواريخ اللافت، كما في حرب سيف القدس 2021 م؛ مما أدى إلى انجرار الشارع الصهيوني، بعد قلقه الشديد من ارتفاع وتيرة المخاطر من حوله، وتنامي الخطر الديمغرافي الفلسطيني، إلى تعزيز انتخاب اليمين الصهيوني المتطرف جدا، كخيار صعب لإنقاذ الكيان الصهيوني من عنق الزجاجة؛ لأنهم سوف يتشبثون ويتخدنقون خلف مصالح إسرائيل الدينية، والسياسية، والاستراتيجية؛ لأنهم الأكثر تشدّدًا، وبالفعل تم تشكيل الحكومة 37 الأشد تطرفًا في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، والذي مضى قدمًا في مسلسل التهويد والتطبيع مع العرب، بالتوازي مع الإصرار على حصار المقاومة، ومفاقمة الأزمات الإنسانية والحياتية في غزة، والانفراد بمجموعات المقاومة في الضفة الغربية، في ظل وجود سلطة فلسطينية متعاونة مع الاحتلال، إلى حد الخيانة لشعبها ودينها وأمتها.
في ظل هذا المشهد المظلم والقاتم، انطلقت عملية طوفان الاقصى المباركة، في السابع من أكتوبر 2023 م لتقلب ظهر المجن في وجه الاحتلال، وتقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع.
فيتوقف قطار التطبيع مرغمًا، وتجثو إسرائيل على الركب؛ بفعل الضربات التي سددتها المقاومة، وتسقط نخبة جيشهم المذعور بين قتيل، وجريح، وأسير، ومعاق، وتنفتح عدة جبهات أخرى، مقاومة للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين، ضمن محور تحالف داعم لغزة وفلسطين؛ مثل اليمن، ولبنان، والعراق، وتنهار حالة الأمن الكامل الذي كان يخطط أن يحياه الكيان.
وتعلن إسرائيل على لسان النتن ياهو أن أهدافها تتركز في القضاء على حماس، واستئصال الوجود العسكري لحركات المقاومة في غزة وفلسطين، واستعادة الأسرى من خلال الضغط العسكري والسياسي.
وبعد عام وأربعة أشهر يفشل الضغط السياسي، والعسكري، في تحقيق أي أهداف سوى الهدم، والدمار، والحرق، وقتل المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال.
وترجع إسرائيل إلى التفاوض والاستجابة لشروط المقاومة بعد فشل الحل العسكري، كما فشلت سياسة الحصار على غزة لمدة 17 عاما على التوالي، ليكبر الناس في شوارع غزة، تحية وإجلالًا لصمود المقاومة، بعد أن لقنت جيش الاحتلال دروسًا مصورة ومتلفزة على البث المباشر.
وهنا ارتفعت الروح المعنوية لكل الأحرار في العالم العربي والإسلامي، بأن الحرية ممكنة، والخلاص من الطواغيت ليس مستحيلًا، لأن غزة، صغيرة المساحة، المحاصرة، قليلة الإمكانيات، واجهت تحالفًا دوليًّا بأحدث الأسلحة الأمريكية، وألقي عليها ما يوزاي 5 قنابل نووية تزن 100 ألف طن من المتفجرات؛ وبالرغم من ذلك لم يستسلم شعبها، قليل العدد، كبير الجهد، عالي الكرامة، ولم ترفع مقاومتها الراية البيضاء؛ لتكون النتائج النهائية كالتالي:-
- بقاء المقاومة في اليوم التالي، واستمرارها في تطوير وتوسيع قدراتها في غزة، وسائر فلسطين، واكتسابها مزيدًا من الخبرات والطاقات، من أجل معركة التحرير الكبرى.
- فشل الاحتلال في دوره الوظيفي كحامي أمن المصالح الاستعمارية والغربية في المنطقة؛ مما سينعكس على فرص دعمه، مما يهدد وجوده وبقاءه في المستقبل القريب.
- حركة نزوح بشري ومادي كثيف، وهجرة كمية ونوعية من قلب الكيان؛ لعدم اليقين في مستقبل إسرائيل.
- نهاية الرهان الأخير، وسقوط اليمين الصهيوني في إسرائيل، وإقصاؤه من حسابات الناخب الإسرائيلي، والدخول في صراعات داخلية، وحزبية عميقة، ولجان تحقيق؛ لتقصي أسباب الإخفاقات في السابع من اكتوبر، وما تلاه؛ لتكون ذريعة لسلسلة من المحاسبات والإقصاء، ستؤدي إلى مزيد من الضعف، والانقسام، وتصفية حسابات؛ من أجل مصالح حزبية، وقيادية؛ بل ومصالح شخصية على حساب صالح الدولة العبرية.
- ارتفاع الروح المعنوية في الشارع العربي، وتعزيز الإيمان بمشروع المقاومة، في مواجهة مشروع الهيمنة والتبعية للقوى الاستعمارية، وأدواتها في الحكم في المنطقة.
- فضح زيف إسرائيل أنها واحة الديمقراطية في المنطقة، وبروز وجهها القيبح الدموي؛ بسبب جرائمها اللا إنسانية بحق الأبرياء في غزة؛ مما سيؤدي إلى محاسبتها وتقليص شرعيتها، بل وازدياد موجة المقاطعة، ونبذ التحالف معها في الغرب، فضلًا عن وقف مسلسل التطبيع العربي المخزي والمقزز.
- على صعيد الساحة الدولية استفادة المحور الروسي الصيني الإيراني، من فشل الكيان الصهيوني، في تحقيق أهدافه، في بقعة محاصرة صغيرة المساحة، في غزة، مما سيؤدي بأمريكا إلى البحث عن حلفاء جدد في المنطقة؛ لحماية مصالحها الحيوية والاستراتيجية، ومن الوارد جدًّا أن تسحب يدها من ملف دعم إسرائيل.
----------------------------
بقلم: د. أشرف إبراهيم القصاص
* محلل سياسي فلسطيني.