مر حتى الآن 43 عاماً على تحرير أخر بقعة من أرض سيناء من دنس الاحتلال الصهيوني، برفع العلم المصري على أخر منطقة محررة، برفع العلم على مدينتي رفح وشرم الشيخ، ورحيل آخر جندي صهيوني، والتي تلاها فترة تحكيم حول طابا حتى رفع العلم على طابا في 19 مارس 1989، وحتى الآن مازالت الأطماع الصهيونية قائمة في سيناء ولن تتوقف، وهو ما تدركه الدولة المصرية، ومن هناك جاءت التحذيرات المصرية المستمرة.
والأطماع تتغير، وآخرها محاولات الكيان الصهيوني وبدعم من الولايات المتحدة ورئيسها الحالي "دونالد ترامب"، والذي أحب تسميته بـ "سمسار العقارات"، بأن تكون سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين، عن وطنه، لتحقيق المخطط الصهيوني، بتهجير أهل فلسطين من كل أراضيهم إلى غير رجعة، لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها.
والعالم الكبير الراحل الدكتور جمال حمدان واحد من أفضل ممن كتبوا عن أرض الفيروز، فقد وصف سيناء في كلمات قصيرة وواضحة، قائلاً "إن تكن مصر ذات أطول تاريخ حضاري في العالم، فلسيناء أطول سجل عسكري معروف في التاريخ تقريبا"، مضيفا "لو أننا استطعنا أن نحسب معاملا إحصائياً لكثافة الحركة الحربية، فلعلنا لن نجد بين صحاري العرب، وربما صحاري العالم، رقعة كالشقة الساحلية من سيناء حرثها الغزوات والحملات العسكرية حرثا".
وبحسب عالمنا ومؤرخنا الكبير دكتور جمال حمدان في كتابه "سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا" من هنا فإن سيناء أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق، إنها لخير بالنسبة للهند، أو كممر "دز ونجاريا" بالنسبة لوسط آسيا، أو هى "ترموبيل" مصر، بل إننا ليمكن أن نقول إنها بمثابة ثلاثتها جميعا، وذلك بمضايقها الثلاثة ممر مثلا إزاء السويس وطريق الوسط إزاء الإسماعيلية وطريق ساحل الكثبان الشمالي ابتداء من القنطرة، ويلخص حمدان رؤيته لسيناء قائلاً "بغير مبالغة: فسيناء مدخل قارة برمتها مثلما هي مدخل مصر".
ومن جهة ارتباط سيناء بفلسطين قال العالم الكبير د. حمدان، "من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول، ومن يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم في سيناء، من يسيطر على سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير"، ثم ينوه إلى مسألة في منتهي الأهمية والتي مازالت مدخلاً للمطامع في سيناء بقوله "كان هناك دائما عدو يشكك بطريقة ما في مصرية سيناء ويطمع فيها بصورة ما، بالضم، بالسلخ، بالعزل"، مبينا أن أبأن محاولات ضم أو سلخ أو عزل سيناء، "قد تكون غالبًا أو دائمًا أرض رعاة، ولكنها قط لم تكن أرضًا بلا صاحب.. منذ فجر التاريخ".
وهذه الثوابت المصرية هي الحاكمة حتى الآن وحتى نهاية العالم والكون، وأخر ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي يستند لهذه الثوابت بقوله "لقد كان الدفاع عن سيناء، وحماية كل شبر من أرض الوطن، عهدا لا رجعة فيه، ومبدأ ثابتا في عقيدة المصريين جميعا، يترسخ في وجدان الأمة جيلا بعد جيل، ضمن أسس أمننا القومي، التي لا تقبل المساومة أو التفريط".
وفي ربط مباشر مع القضية الفلسطينية التأكيد الدائم من الرئيس على أن "موقف رفض مصر بكل حزم، لأي تهجير للفلسطينيين خارج أرضهم، وإن مصر تقف - كما عهدها التاريخ - سدا منيعا، أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتؤكد أن إعادة إعمار قطاع غزة، يجب أن تتم وفقا للخطة العربية الإسلامية، دون أي شكل من أشكال التهجير، حفاظا على الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وصونا لأمننا القومي".
وفي بُعد استراتيجي آخر، لم تنجح قوى الإرهاب في استهداف استقرار سيناء، وذلك في معركة شرسة خاضتها القوات المسلحة والشرطة انتهت في أن تصبح سيناء خالية من الإرهاب، وبسط قوة الدولة على أرض الفيروز.
حماية سيناء سيظل مسؤولية وطنية على الجميع وكل مواطن، لأنها ستظل مطمعًا من كل أعداء الأمة، والأرقام تجسد أهميتها، فحسب ما ورد في كتابات مؤرخنا الكبير صاحب "وصف مصر"، الدكتور جمال حمدان " والتي تؤكد الأهمية الجغرافية والسواحل لها، حيث يقول "يبلغ مجموع سواحل سيناء 700 كيلومتر من مجموع سواحل مصر البالغ 2400 كيلومتر، وتستأثر بنحو 29.1% من سواحل مصر، ومساحة سيناء (61 ألف كم مربع) تشكل 6.1% من مساحة مصر، وبذلك تمتلك سيناء كيلومترًا ساحليّا لكل 87 كيلومتر مربع من مساحتها، مقابل كيلومتر لكل 417 كيلومتر في مصر عمومًا".
ومع حركة التعمير الحالية لسيناء، ستظل كلمات الدكتور حمدان قائمة لتذكرنا بأن التعمير هو الأساس لحماية سيناء ولمعالجة ضعف عدد سكان سيناء بسبب كونها مطمعاً للمستعمرين، حيث يقول "كان هناك عدو يشكك بطريقة ما في مصرية سيناء ويطمع فيها بصورة ما بالضم أو بالسلخ أو بالعزل، ولكن أعود وأكرر "التعمير.. التعمير" هو الرد العملي على أطماع نزع الهوية عن سيناء وأيضاً لحمايتها.
----------------------------
بقلم: محمود الحضري