نعم هي انتخابات ومنافسة، ولكنها ليست حربًا. هذا هو المنهج، الذي يجب أن يحكم كل صحفي وكل مرشح، رغم التجاوز الذي بلغ مداه لأمور شخصية، ونشر أكاذيب، وتعمد تغييب كل القضايا والهموم الحقيقية، التي تواجهنا على مستوى المهنة وحقوق وأوضاع الصحفيين.
من الواضح أن العلاقة الصحية، التي نجحت نقابة الصحفيين ومجلسها في بنائها مع الدولة ومؤسساتها وأجهزتها خلال العامين الماضيين لا تعجب البعض، أو لا تعجب طرفًا بعينه لا يعرف معنى الشراكة، ولا يرضى بغير علاقة تبعية، فبدأ في الانقضاض على هذه التجربة، لأنهم لا يعرفون إلا لغة التخوين، ولا يدركون أن الأمن الاجتماعي، وتوسيع مساحات الحرية هي التي تصنع الأمن السياسي وليس العكس. والرسالة الواردة للجماعة الصحفية واضحة: أن هناك أطرافًا لا ترتضي إلا بنقابة ضعيفة، تابعة، بلا إرادة، وأن الحل هو تكفين هذه الإرادة مقابل فتات الوعود.
إن الممارسات التي تتم الآن ومنذ أسابيع تجاوزت كل الحدود وكل الخطوط الحمراء، وأصبح تدخل إحدى "الجهات" بشكل سافر غير مقبول، وهو التدخل "الموثق"، الذي طال زملاء في المحافظات تلقوا اتصالات وتعرضوا لضغوط رافقتها عمليات توجيه لصالح أحد المرشحين على منصب النقيب. رافق ذلك تبني صفحات مجهولة المصدر لخطابات تثير الفتنة بين الصحفيين.
وللأسف، طال ذلك جهات حكومية، كما طال الهيئة الوطنية للصحافة رغم أنها من المفترض مستقلة بحكم الدستور، لكنها على مدار الأسابيع الماضية، ووفقًا لما تم توثيقه أيضًا، شهدت اجتماعات لرؤساء التحرير تجمعهم بأحد المرشحين لدعمه والضغط على كل مَن يدعم منافسه. كما استخدمت موارد بعض المؤسسات التابعة لها في إقامة موائد عامرة لدعم مرشح بعينه، بل وصلني "موثقا" تهديدات لبعض الزملاء من بعض رؤساء التحرير، أو المحسوبين عليهم، أو المحسوبين على "الجهة إياها"، سواء بصيغة مباشرة، أو غير مباشرة، بل وصل الأمر لتهديد بعض المؤقتين بعدم التعيين.
كل ذلك يتم برعاية جهة واحدة تركت كل الملفات المعنية بإدارتها وتفرغ بعض القائمين عليها للتدخل في انتخابات نقابة الصحفيين بصورة تسيء لصورة الدولة المصرية أمام الرأي العام الصحفي.
إنني من منطلق حرصي على النقابة أرفض قبول أي مرشح لمثل هذه الممارسات، وأرفض من يسعى لمنصب النقيب على حساب زملائه ومستقبل نقابته، بدلا من أن يسعى بالإقناع والحوار. فكيف أثق بمَن يأتي عبر القوائم السوداء، أو على أسنة رماح مؤسسات أمنية، مدججًا بوسائل غير نقابية وغير مقبولة؟!
إن هذه الوسائل ليست من أدوات صناعة "الهيبة"، ويجب أن تكون رؤية كل مرشح للتعامل مع زملائه داخل هذه المؤسسات قائمة على الاحترام، وعلى صلة تدوم، وجسور تمتد، وعلى حوار محترم لا يتوقف، وليس على ضغوط أو ترهيب أو ترغيب مدفوع.
زملائي الأعزاء،،
إنني لا أريد الخوض في تفاصيل أخرى باتت معلومة لكم جميعًا، وأقدر تحملكم لها. ولكن من موقف انحياز لتقاليد نقابية داخل كياننا وبيتنا، أعلن رفضي وإدانتي لهذه الممارسات غير المقبولة، وأعتبر هذا بلاغًا لكل معني بأمر الصحافة والإعلام، وبلاغًا لكل مسئول يهمه أمر هذا الوطن ومستقبله، وأمر أجيال شابة تتمسك بالأمل.
إن نقابة الصحفيين ليست للبيع، وإن التدخلات من هذا النوع لا تصنع انتصارًا، لكنها قد تدمر مستقبلًا.
لقد أثبتت الجماعة الصحفية في كل الأوقات أن مثل هذه الممارسات لا تنطلي عليهم، ولا تنال من إرادتهم، ولا يمكن خداعهم أو التأثير عليهم بضغوط مكشوفة وسافرة.
إنني أقدر الموقف العظيم لزملائي أعضاء الجمعية العمومية في مواجهة ما يحدث، وواثق في قدرتهم المطلقة على الصمود، ليس اختيارًا لمرشح بعينه، بل حفاظًا على كياننا النقابي، وعلى تقاليد انتخابية يحرص كل مرشح أن يكون قرارها متروكًا لإرادة الصحفيين وحدهم، وليس بممارسة الضغوط أو القهر.
إن الشبهات التي ظهرت مؤخرًا حول محاولات الهيمنة على النقابة ليست إلا دليلًا على أن هناك مَن لا يرضى بوجود نقابة قوية تدافع عن حقوق أعضائها.
لكننا نقولها بصوت عالٍ: لن نكون أداةً في يد أحدٍ، ولن نتنازل عن استقلالنا. النقابة للصحفيين، وسنظل نقاوم أي محاولة لتدجينها.
وأكرر ثقتي المطلقة في أساتذتي وزملائي، وفي تصديهم لمثل هذه الممارسات، وحفاظهم على بيتنا النقابي الذي أصبح مستقبله ومصيره في أيديهم وحدهم.
-----------------------
بقلم: محمود كامل
* وكيل نقابة الصحفيين