30 - 04 - 2025

أخلاقنا تحت مقص التجميل | زيف الرحمة... حين أصبح التنمر عادة

أخلاقنا تحت مقص التجميل | زيف الرحمة... حين أصبح التنمر عادة

كأننا كمجتمع خضعنا لعملية تجميل لا لملامحنا ولا لأجسادنا بل لأخلاقنا، عملية زائفة استبدلت فيها القيم بالترندات، والرحمة بالإعجابات، والضمير بزري "لايك" و"شير"

صرنا نحكم على الناس من مظهرهم، ندينهم دون دليل نضحك على أوجاعهم، ونشارك مآسيهم على وسائل التواصل كما نشارك النكات والميمز.

أحكام سريعة ونفاق جماعي، نشبه كثيرا قصة جحا وابنه والحمار، إذ لا مفر من الإدانة!

إن ركب الحمار قالوا ظالم، وإن مشى بجواره قالوا مغفل، وإن حمله قالوا مجنون.

بات إرضاء هذا المجتمع مستحيلا فمعاييره مشوهه، ونظرته متقلبة ومتناقضة

الفنانة ريهام عبد الغفور لم تسلم من التنمر لا لأنها أخطأت بل لأنها تقدمت في العمر!، والكبر في نظر البعض أصبح تهمة، وإن غيرت شيئًا في مظهرها قالوا إنها "اصطنعت".

والمطربة مي فاروق حين تزوجت مرة ثانية واحتفلت تعرضت للهجوم وصرخوا: "هذا ليس مناسبا لسنها"

لكن من الذي نصب نفسه حارسا على أعمار الناس وسعادتهم؟ ومن الذي حولنا لمحاكمة خيارات الآخرين؟

صابرين.. والحجاب في مرمى التنمر

صابرين التي لقّبوها بـ"قالعة الحجاب"، لم تسلم من النقد سواء تحجبت أو لا؟ رغم أنها لم تقدم يوما عملا يخجل منه أحد أو تخجل هي منه ظلت هدفًا للسخرية لمجرد أنها اختارت ثم غيرت.

وكأننا لا نغفر للناس حقهم الطبيعي في التغير أو كأننا نرفض أن يراجع الإنسان علاقته بنفسه وبمعتقداته.

مجتمع الفرجة... بلا دموع، وإن لم يكن التنمر بالكلام فهو بالصمت والتبلّد.

فتاة تطعن في الشارع فنشاهد القصة كما نتابع مسلسلا.

شخص يقتل، فنصور المشهد ونرسله في جروبات "الواتس"، ونعلّق بوجوه ضاحكة أو مذهولة!.

نبرر للجاني أحيانا أو نطالب بجمع التبرعات له (نيرة أشرف ومحمد عادل)... وكأنه الضحية

تحولت حياتنا إلى فرجة.

نقف على أطراف المآسي، نشاهدها بلا دمعة، نحللها على فنجان شاي، ثم نعود للدومينو والنرجيلة، وكأننا فقدنا القدرة على الشعور، وكأن التعاطف صار موضة قديمة.

خلل لا يجمل

نحن لا نشخص فردا هنا بل نصف أزمة مجتمع بأكمله.

مجتمع يسخر من الضحية، ويصفق للجلاد، ويبرر العنف، ويتلذذ بالإهانة... ثم يدعي الفضيلة.

إنها أزمة في الأخلاق لا تحل بالتوعية فقط، بل بمراجعة النفس، وبإحياء إنسانيتنا التي ذبلت

لا يمكن لمجتمع أن يتجمل ظاهريا وهو متعفن داخليا

لا يجدي "الفيلتر" حين تكون الروح غارقة في القسوة، ولا ينفع "البوتوكس" حين تكون القيم مشلولة.

نداء إلى الداخل

إن كنا نريد حقًا أن نتجمل، فلنبدأ من الداخل.

فلنجرِ عملية قلب مفتوح، ننعش بها ضمائرنا،

ونعيد فيها بناء علاقتنا بالرحمة، والتعاطف، والاحترام.
_________________________
بقلم: إيمان النقادي


مقالات اخرى للكاتب

صمت المدرسة جريمة أخرى.. لماذا يخون التعليم ضحاياه؟