30 - 04 - 2025

مؤشرات | الدروس من قضية "بلبن" وأخواتها

مؤشرات | الدروس من قضية

أهم الدروس المستفادة من قضية محلات "بلبن"، ليست حل مشكلة "بلبن" وأخواتها، بل وضع إطار عام لمواجهة مثل تلك القضايا التي تظهر من وقت لآخر، وبسبب الإهمال، والتعامل بغموض، وغياب الشفافية، قد يؤدي إلى اختفاء علامات تجارية، وإهدار استثمارات، وضياع رؤوس أموال، وتراكم ديون على مستثمرين قد تؤدي بهم إلى الوقوف وراء القضبان في سجون لسنوات.

والأخطر في مثل هذا القضايا: هو تشريد موظفين وعمال، بعشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف؛ نتيجة غلق الشركات وفروعها، واطالة طابور البطالة، الذي يعاني منه المجتمع، وأيضا هو تشويه مناخ الاستثمار في البلاد، في وقت الدولة فيه بحاجة لاستثمارات جديدة؛ هي أكثر ما هي أحوج إليه في هذا الوقت.

لا يجب أن يكون تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي لمجرد حل مشكلة طارئة؛ بل يجب أن يتم التعامل معه على أن يخرج برؤية وخارطة طريق، تصلح لمعالجة أي مشاكل على هذا النحو.

ولو رجعنا بالتاريخ لبعض من السنوات سنجد كثيرا من الأزمات المشابهة لقضية سلسلة "بلبن" وأخواتها، سنجد العديد من القضايا التي تم التعامل معها على عجلٍ، والتعامل معها بمنطق سياسي فقط، وليس بمنطق اقتصادي، يتم من خلاله تجنيب السياسي، وتحييده عن المنطق الاقتصادي، على أساس ما كان يتم التعامل به قديما من خلال "المدعي العام الاشتراكي" لإدارة المنشآت اقتصاديا وإداريا، لحماية حقوق العاملين بها وتلك الكيانات.

ولا يعني ذلك إغفال النقطة الأهم؛ وهي مراعاة ما يتعلق بصحة المستهلكين، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بمنتجات وخدمات تتعلق بالصحة العامة، والسلامة في الغذاء، والطب، والخدمات العامة، وجودة الإنتاج، في مسألة تخضع لمعايير وضوابط، من المهم وضعها على قائمة الأوليات.

واختلاف وجهات النظر حول قضية بلبن وأخواتها طبيعي، ورغم أني لست من عملاء تلك السلاسل، إلا بحكم ثقافة الأولاد والأحفاد، ولا أعرف من هم أصحابها، إلا أن تعاملي مع الأزمة ينصب على الجانب الاقتصادي منها، وهو الأهم من وجهة نظري، والتعامل معها بحادث طارئ، والرهان على أنها ستنتهي، يمثل استهانة بقضايا مثل تلك؛ لأنها تفتح المجال للحديث عن الفساد، والمنتفعين، والرشوة، وغيرها من تفسيرات الناس والمجتمع.

لهذا تأتي الأهمية من تلك القضية، بوضع إطار للتعامل مع مثل تلك القضايا، وليس بقرار فردي، والذبح، وتعليق المشانق، بل من خلال المناقشة الشاملة، والتدرج في الحلول والمعالجة، حتى تنتهي المسألة إما بالمعالجة، أو توقف النشاط، وفقا للنتائج النهائية.

ولو عدنا بالتاريخ قليلا، نتذكر العديد من القضايا، وهنا لا ننسى كيف تم التعامل مع شركات توظيف الأموال، وما ارتكبتها من مخالفات مالية، وإقامة كيانات مالية موزاية للبنوك، بل وصفها البعض وقتها بأنها بنوك مركزية، وشارك العديد من الصحفيين والكتاب، منهم كاتب هذه السطور، في كشف مخاطر تلك الشركات.

وعند المعالجة تم التعامل اقتصاديا معها بحرفية، ومن خلال رؤية اقتصادية، لإدارة أصول تلك الشركات، لتحقيق أهداف؛ منها: تنمية تلك الأصول، والحفاظ عليها، وضمان حقوق المساهمين ومؤدي الشركات، والعاملين فيها، حتى تتم تصفية الوضع، وما انتهى بعضها بقسمة الغرماء.

قبل حوالي ربع قرن، استيقظ الناس في بلدنا على قرار مفاجئ بغلق فروع سلسلة تجارة تجزئة شهيرة تحمل اسم (سنسبري)، بعدما انتشرت سريعا محققة أرقاما قياسية في المبيعات، وإقبالا جماهيريا، بعدما دخلت السوق المحلي، بأسعار تنافسية للمنتجات الغذائية المختلفة.

وقتها كثرت الشائعات؛ بعضها فيه ما قد يكون دقيقا، وما هو تصفية حسابات؛ وهو ما يتعلق بالفساد والرشوة. وظل الجدل يتجدد حول (سنسبري) لسنوات طويلة، والتي قامت بين 1999 و2003 بافتتاح 106 فرعا، بشراكة بين الشركة الإنجليزية، وشريك مصري في هذا الوقت.

ووسط الجدل ضاعت الحقيقة، وضاعت عشرات الملايين من الاستثمارات، وخسر المستهلكون منافسا مهما في سوق التجزئة، وتم تشريد آلاف العمال والموظفين، وأعتقد لو كان قد تم النقاش بهدوء وبإدارة اقتصادية، كان يمكن التوصل لاتفاق يحفظ للدولة والناس والمستثمرين حقوقهم.

والأمثلة عديدة حول الكيانات المماثلة لسلاسل (بلبن، وكرم الشام، وكنافة وبسبوسة، ووهمي، وعم شلتت)، بغض النظر عن كونها مملوكة لشخص واحد، أو مجموعة، فيه في النهاية استثمار، يجب التعامل معها وفق القواعد الحاكمة للشركات، ونظم الاستثمار.

ومن المهم أن تكون المعالجة وفق المعايير، لا المصالح، حتى لا يأتي يوم، نسأل عن أسماء مثل "أولاد رجب"، و "مؤمن"، و "الطازج"، والتي تم معالجة بعضها بمنطق المؤامرة، والتمويل غير الشرعي، وهذا مهم، ولكنه يؤدي إلى تصفيتها، ليصبح الخاسر الأكبر هو المستهلك، والعامل، والصناعات المغذية لها.

كل ما نتمناه المعالجة بروح مصالح الوطن والمواطن والمستثمر، لا بروح تصفية الحسابات، ونظرية المؤامرة، والفصل في كل هذه الأمور هو الشفافية، والمصداقية، وصحة الناس، وجودة الإنتاج، والحقيقة المطلقة.
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | ابتزاز سمسار أمريكا وقناة السويس