غَدَرَ أصدقاء حسن به يوم زفافه، فدخل السجن تاركًا خلفه والده العجوز وحبيبته، وتملك منه اليأس وكاد يصل للجنون، لكنه يقرر في اللحظة الفارقة أن يصمد ويقاوم حتى يخرج وينتقم ممن غدروا به، أحبه الشيخ جلال، جاره في الزنزانة، وعامله كابنه وعندما اقترب أجله أخبره عن كنز دفنه في مكان مهجور، وينجح حسن في الهرب، ويستخرج الكنز من مكمنه ويستخدمه في الانتقام ممن زجوا به في السجن.
كان ذلك ملخص فيلم (أمير الانتقام) بطولة أنور وجدي وسامية جمال وفريد شوقي، المأخوذ عن قصة (الكونت دي مونت كريستو) للروائي الفرنسي آليكسندر دوما (الأب) (1802 - 1870) مؤلف الفرسان الثلاثة إلى جانب عدد آخر من الروايات والمسرحيات، وهو أيضًا والد الروائي الشهير؛ آليكسندر دوما الابن (1824-1895)، مؤلف (غادة الكاميليا).
عند الانتقام تتلبس المنتقم رغبة شديدة في الثأر لكرامته من كل من ظلموه أو ظن أنهم تآمروا عليه.
منذ رئاسته الأولى لأمريكا (2017-2020)، والرئيس دونالد ترامب يضع الصين مع الشيطان جنبًا إلى جنب. رأى فيها مصاص دماء (فرانكشتاين) الاقتصاد الأمريكي. فرض عليها رسوم إغراق وحظر تصدير رقائق السليكون والمعدات التكنولوجية عالية القيمة إليها، وهدد الشركات التي تتعامل معها، واتهمها من على منصة الأمم المتحدة باستنساخ أسرار شركات التكنولوجيا الأمريكية.
على الجانب الآخر، اجتر التنين الصيني موروثات أسلافه القدماء وحكمتهم في استيعاب الهياج الأمريكي والإبقاء على شعرة معاوية، فأدار الاقتصاد بيمناه، وقبض على كتاب (فن الحرب) بيسراه.
أربع سنوات والتنين يراجع تعاليم السيد صن تزو في كتابه الأشهر، قبض على جمر الصبر وراح يقرأ في تؤده (إن الأعظم بين القادة ليس المنتصر في مائة معركة..بل ذلك الذي لا يحتاج إطلاقًا إلى القتال لينتصر)، ومن حين لآخر يأخذ نفسًا عميقًا ويراجع استراتيجياته.. تستحوذ الصين على 20% من حصة الاقتصاد العالمي، كما أن قرابة ثلث منتجات العالم الصناعية تخرج من بكين.
عندما تولى الرئيس جو بايدن مقاليد الحكم (2020 – 2024)، أخذ السيد شي بينج نفسًا عميقًا، وأعاد كتاب تزو إلى موضعه في المكتبة، ثم مضى صوب النافذة وتطلع صوب قرص الشمس المستدير بلونه الأصفر الضارب للحمرة قبيل الغروب وتمتم (الآن تستطيع الصين أن تتنفس في هدوء)، حتى مع إبقاء بايدن ما فرضه سلفه من ضرائب على الصين، كانت كلها قيد السيطرة.
بعودة السيد ترامب إلى البيت الأبيض عقب انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2024، سحب التنين كتاب (فن الحرب) ثانية ووضعه أمامه على الطاولة، الغيوم كثيفة والأجواء مشحونة وإعلان القرارات المطبوخة سلفًا مسألة وقت، وماكينة التشويش لا تتوقف عن أبلسة الصين سياسيًا واقتصاديًا، حتى بعد رسالة التهنئة بالفوز في الانتخابات. يا لها من أيام صعبة، غرق فيها العالم في مشاهد هوليودية لشلالات التوقيعات.
يحاول التنين – بكل ما لديه من حكمة - الصمود في وجه عاصفة كاوبوي التعريفة الجمركية والمحافظة على هدوئه، المزيد من المرونة تعني الخنوع، راجع استراتيجياته، ووقع قرار فرض رسوم جمركية على الواردات الأمريكية، وبعد هنيهة عاد وطلب القرار مرة أخرى وشطب النسبة السابقة؛ 34%، وكتب 84%، وردد في نفسه مقولة صن تزو؛ (اجعل خططك غامضة كالليل وعندما تتحرك انطلق كالعاصفة).
في الجانب الآخر، رفع الكاوبوي الضريبة على الصين إلى 125%، وجمد ما عداها من الدول لتسعين يومًا..من الصعب أن تحارب التنين وأنت مشغول بصيد العصافير.
طغت روح الانتقام على الطرفين .. وتحولت ساحة الاقتصاد إلى حلبة صراعات يدفع فيها المتفرجون الثمن.
----------------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]