لم تكن زيادة أسعار منتجات الوقود مفاجأة للناس، ولم تكن غير متوقعة، فكل المؤشرات كانت تؤكد أن الحكومة سترفع الأسعار وتحديدا في مطلع الربع الثاني من العام الحالي 2025، فقبل نحو ستة اشهر، وعندما رفعت الحكومة أسعار المحروقات في أكتوبر 2024، خرج رئيس الوزراء د. مصطفي مدبولي، معلنا وفي محاولة لطمأنة المواطنين، قائلا في 19 أكتوبر الماضي "تم التوافق مع إعلان الزيادة الاخيرة على ألا تحدث زيادة أخرى خلال الأشهر الستة القادمة، من أجل تحقيق نوع من الثبات وخفض التضخم في الفترة المقبلة". وهو ما كررته وزارة البترول والثروة المعدنية الجمعة الماضي بعد الزيادة الأخيرة على أسعار الوقود، إلا أن المفاجأة في أسعار الجمعة، أنها فاقت توقعات الجميع، والتي سجلت زيادة من 11% وتجاوزت 33% على أسعار مختلف منتجات الوقود، والبوتاجاز المنزلي، وتأثيرها الذي امتد سريعا خصوصا على تعرفة وسائل النقل، بنسبة كبيرة.
وأخطر ما في رفع أسعار المحروقات أن تأثيرها هو الأسرع على مختلف القطاعات، بما في ذلك أسعار النقل والشحن والمواد الغذائية الطازجة وغيرها، وأسعار رغيف الخبز، بل يصل إلى الخدمات العامة، والسلع الأساسية، تأثرا بتكاليف الشحن، وغيرها.
والمستهلك النهائي هو من يتحمل فاتورة تداعيات الارتفاعات المتكررة لأسعار الوقود بكل أنواعه، خصوصا أن مساهمتها في معدلات التضخم كبيرة، ووصلت إلى 40% من متوسط معدل التضخم بين عامي 2016 و2019، وتجاوزت ذلك في 2024، وربما نقارب نفس المعدل في العام الحالي 2025.
والزيادة التي نفذتها حكومة الدكتور مصطفي مدبولي من الجمعة الماضي بنسب تراوحت بين 11% الى 33%، على أنواع الوقود، واسطوانات البوتاجاز، حتما لن تكون الأخيرة خلال العام الجاري 2025، وفقا لتصريحات رئيس الوزراء، والذي سبق وأكد أن الحكومة عازمة على زيادة أسعار الوقود تدريجيًا ضمن برنامجها لإصلاح وهيكلة أسعار المنتجات البترولية الممتد حتى نهاية 2025.
وتستهدف الحكومة – بحسب تصريحات مدبولي- تغطية ما تسميه بتكاليف الإنتاج، ومن المؤكد أن تطبيق زيادات في أسعار الوقود جزء من خطة الإصلاح الاقتصادي المتفق عليها بين حكومة مدبولي وصندوق النقد الدولي، بتعديل أسعار الطاقة لخلق مساحة لمصر للإنفاق الإنتاجي، وإلغاء الدعم بكل أشكاله.
ويعني هذا أن العام سيشهد زيادة على الأقل في أكتوبر المقبل من العام الحالي، وهو ما تؤكده وزارة البترول والثروة المعدنية، الأمر الذي سيرفع من نسب التضخم، وتزيد من مسؤولية أسعار الوقود عن معدلات التضخم المتوقعة، مع توقعات بارتفاع التضخم إلى نسب تتجاوز المعدلات المسجلة في مارس الماضي، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والتي بلغت 13.6%، مرتفعة بنسبة 1.4%، عن فبراير.
والتأثير المباشر لأسعار الوقود والتي تظهر في أول لحظة، تتمثل في أسعار النقل والركوب، والألبان، وبعض المواد الغذائية، بينما هناك تأثيرات تأخذ بعض الوقت، مع تكاليف إضافية على المزارعين نتيجة ارتفاع تكلفة تشغيل الآلات الزراعية المستخدمة للسولار، ومع الشهر المقبل، ستظهر قوائم أسعار جديدة متأثرة بالزيادات التي طرأت على أسعار الوقود خصوصا المنتجات المُصنعة.
ومن المتوقع أن تكون هناك تأثيرات سلبية على حركة السوق بانخفاض حركة المبيعات، وربما في بعض الأحيان يصل إلى ركود، نتيجة سرعة اتخاذ القرارات التي تفرضها اتفاقيات ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي ومتطلبات وشروط سوق النقد الدولي.
التوقعات تشير إلى أن تأثيرات زيادة أسعار الوقود، والبوتاجاز، ستلتهم أي زيادات تعتزم الحكومة تطبيقها على المرتبات من يوليو المقبل، وقبل أن يسعد بها المواطنون، بينما من لم يتم استفادتهم من تلك الزيادات خصوصا العاملين في القطاع الخاص، والقطاعات غير الرسمية سيدفعون ثمن فاتورة السياسات الحكومية.
هناك من يرى أن قيام الحكومة برفع أسعار منتجات الوقود جاء بالرغم من انخفاض أسعار البترول في الأسواق العالمية، وقيام بعض الدول بخفض أسعار المحروقات في أسواقها، على عكس ما قامت به حكومة مدبولي، إلا أن هذا ليس بقرار مبني على معدلات الأسعار العالمية للبترول.
وقد جاءت أسعار المحروقات تنفيذا لاتفاق مسبق والتزام مصري بتحريك مستمر للأسعار، وصولا لخفض كبيرة لمخصصات الدعم في الميزانية العامة للدولة، ضمن برنامج لسياسة تسعير متفق عليها مع صندوق النقد، ولا يمكن التراجع عنها، وتستند إلى متوسطات التكاليف والأسعار العالمية على مدى زمني محدد، وهو ما يعني أن تنفيذ بنود الاتفاق مع "الصندوق" أهم من معالجة حال المواطن.
---------------------------------
بقلم: محمود الحضري