01 - 05 - 2025

جحيم صندوق النقد متى ينتهى في مجتمع بلا رقابة و يعاني ضمائر خربة

جحيم صندوق النقد متى ينتهى في مجتمع بلا رقابة و يعاني ضمائر خربة

في الوقت الذي يشهد فيه العالم تراجعًا ملحوظًا في أسعار النفط العالمية، يقف المواطن المصري أمام شبح متجدد لا يرحم: ارتفاع أسعار البنزين، يليه انفجار عشوائي في أسعار النقل، ثم سلسلة متوالية من الزيادات في كافة السلع والخدمات. هذه الظاهرة لم تعد مرتبطة بمنطق العرض والطلب، بل أصبحت انعكاسًا حادًا لفقدان الدولة زمام الرقابة، ولسيطرة منظومة اقتصادية مشوهة على تفاصيل الحياة اليومية.

الوقود كمحرك للغلاء

البنزين في مصر ليس مجرد سلعة، بل هو صمام ضغط اجتماعي. وعندما تقرر الدولة رفع سعره، فإن ذلك لا ينعكس فقط على مالك السيارة الخاصة، بل يطال رب الأسرة في القرى والنجوع، ويمس وجبة الغداء على مائدة الفقراء. لأن النقل في مصر، وببساطة، غير منضبط، وغير خاضع لأي تسعيرة عادلة. التوك توك، الميكروباص، سيارات النقل، كلها تسعّر خدماتها وفق "الهوى"، دون رقيب أو حساب، لتتحول أي زيادة – مهما كانت طفيفة – إلى انفجار في الأسعار.

غياب الدولة كمنظّم للسوق

تكمن الأزمة الأكبر في غياب الدولة عن لعب دورها كمنظم ومراقب للسوق. لا توجد تسعيرة نقل ملزمة. لا يوجد جهاز حماية مستهلك فاعل، ولا يوجد تطبيق حقيقي لمبدأ "من أين لك هذا" حين ترتفع الأسعار بنسبة 30% في يوم واحد دون أي مبرر سوى الطمع. المواطن هو الحلقة الأضعف، تُلقى عليه كلفة كل شيء: البنزين، الدولار، الجمارك، التضخم، وحتى فشل السياسات النقدية.

مفارقة النفط العالمي

حين ينخفض سعر النفط عالميًا، يفترض أن ينعكس ذلك على الداخل بانخفاض في أسعار المحروقات، ومن ثم تحسن نسبي في كلفة النقل والإنتاج. لكن الواقع المصري يأخذ منحى معكوسًا، فبينما تراجعت أسعار النفط إلى ما دون 80 دولارًا للبرميل، تُصر الحكومة على رفع الأسعار بحجة "تقليص الدعم"، في ظل غياب واضح لأي شفافية حول حقيقة الأرقام، وأين تذهب الوفورات، ولماذا لا تُترجم إلى تحسين الخدمات أو دعم محدودي الدخل فعليًا.

دوامة الدولار والتضخم

تصريحات السيد الصيفي، عميد سابق بجامعة الإسكندرية، تسلط الضوء على الكارثة الكبرى: حتى لو وفرت الدولة 55 مليار جنيه من زيادة أسعار البنزين، فإنها ستخسر أضعاف ذلك بسبب التضخم وارتفاع سعر الدولار، الذي يكلف الدولة 320 مليار جنيه لكل زيادة بمقدار جنيه واحد. هذه الدوامة لا يخرج منها أحد منتصرا، بل تحرق الجميع.

ما الحل؟ الحل لا يكمن فقط في قرارات اقتصادية مركزية، بل في استعادة الدولة لدورها الرقابي الحقيقي، وفرض انضباط صارم على التسعير، وتفعيل آليات شفافة للرقابة المجتمعية، ومحاسبة كل من يتلاعب بقوت الناس. كما يتطلب الأمر إعادة النظر في هيكل تسعير الوقود وربطه بالمتغيرات العالمية لا بالقرارات السياسية، وفصل الدعم عن عبث السوق السوداء.
---------------------------
بقلم: عز الدين الهواري


مقالات اخرى للكاتب

محكمة الذكاء الاصطناعي التجارية: ثورة فى عالم العدالة الرقمية