30 - 04 - 2025

احذروا التفتت وأسقطوا التفكك

احذروا التفتت وأسقطوا التفكك

لاشك أن الوطن الغالى يمر بظروف استثنائية تتطلب موقفا وطنيا مصريا واحدا، مسقطين أى عوامل تتناقض مع ذلك الموقف الوطنى الواحد. كما أن الخلاف فى الرؤى السياسية مطلوب ويدعم التوحد الوطنى وهذا غير البحث والاستغراق فى تلك الانتماءات الدينية والطائفية والقبلية والمناطقية ...الخ . التى تدعو إلى التشرذم وتستدعى التفتتت وتكرس التفكك، فمصر منذ أن وجدت وطوال التاريخ تفردت وتميزت بوحدانية الشخصية الحضارية المصرية بثقافتها الجامعة الناتجة عن تلك التعددية  الثقافية التى عاشتها مصر طوال حقبها التاريخية . فبالرغم من مرور مصر بثلات هجرات جماعية وأكثر من خمسين غزوة حربية، استطاعت مصر صهر هذه  الهجرات وتلك الغزوات فى بوتقتها الواحدة تحت شعار مصر القديمة (الكل فى واحد) .

فإذا كانت هناك دول محيطة تعانى من التعددية العرفية والجنسية والمناطقية لدرجة إشعال الحروب الأهلية بين هذه الطوائف وبين تلك الأعراق، فلا نجد فى مصر غير الجنسية المصرية الواحدة الجامعة لتعدد الثقافات، وتلك التعددية الثقافية كانت وستظل عامل ثراء أعطى للشخصية المصرية تمايزا حضاريا . كما أن هذه التعددية الثقافية، وهذا هو الأهم، هى نقطة الضعف الذى تلعب عليها كل القوى الاستعمارية الخارجية وكل القوى الداخلية التى لها مآرب وأهداف دينية وطائفية وقبلية ولا تريد خيرا للوطن . ولذا لم يخل التاريخ المصرى من فترات يحاولون فيها اللعب على تلك الانتماءات الدينية والقبلية لاختراق الجمع المصرى، لصالح من يريدون تحقيق أهداف ثانوية على حساب الوطن !!!

فنرى دائما اللعب على وتر الطائفية بين المصرى المسلم والمصرى المسيحى، وهى لعبة استعمارية بغيضة. هناك من يختصر التاريخ المصرى ويتوقف عند الحقبة المصرية القديمة. فى المقابل من يسقط كل الحقب التاريخية السابقة لدخول العرب مصر . هنا رأينا ذلك الصراع بين اللغة القبطية (تخوير من المصرية القديمة) وبين اللغة العربية . مع العلم أن القبطية كانت نتاجا لاستعمار يونانى امتزج بالمصرية القديمة. أى أن القبطية والعربية وافدتان. والأهم أن المصرى الان يتكلم العربية، نرى الآن من يتحدثون ويسوقون للقبائل والقبلية !!! كنوع من التغاخر والتمايز على الآخر غير القبلى . لدرجة أن هؤلاء القبليين يطلقون على المصرى (فلاح فى مقابل القبلى) كنوع من التمايز المرفوض شكلا وموضوعا . بل إن من يفتخرون بالقبلية يفتخرون من منطلق أنهم من القبائل الوافدة من الجزيرة العربية أى أنهم وافدون مع العرب إلى مصر . وهذا نوع من التمايز على المسلم المصرى الأصيل، وكأنهم أكثر إسلاما من المسلم المصرى التى اعتنق الإسلام . فما بالك بالمصرى غير المسلم ؟!!!

وللاسف فهؤلاء ينسون أن الإسلام كان قد جاء قاضيا على القبلية الجاهلية التى كانت لا تجيد غير التقاتل والتصارع فيما بينها على أشياء لا تليق بل يندى لها الجبين !!

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )، وهذا يعنى أن المسلم الحقيقى لا يفاخر بنسبة ولا بقبيلته أو بعرقه، ولكن بالتقوى والعمل الصالح . فالله خلق الناس متساوين واختلاف القبائل والشعوب هدفه التعارف لا التفاخر أو التمايز . (لا فرق بين عربى ولا أعجمى إلا بالتقوى) .

 أمام هذا الخطر الحقيقي ، ماذا فعلنا ؟ للأسف نحن نعالج الأخطار بطرق وأساليب تحمل بداخلها الخطر ذاته، فمثلا أنا ارفض الكوته الدستورية لتمثيل الأقباط فى البرلمان، لأن ذلك تكريس ودسترة للتقسيم الطائفى ونوع من لبننة الواقع المصرى مستقبلا، بل سيكون عاملا للتدخل والاختراق والمس بالتوحد المصرى. فهناك فارق بين كوته للمرأة أو العمال أو الشباب، لأن هناك امرأة وعامل وشاب مصرى (مسلم ومسيحى) وهذا غير كوته (المسيحى) اى مسيحى مقابل مسلم !! والأهم ماذا يعنى اعلان مايسمى باتحاد القبائل العربية؟ ماذا يعنى أن يشكل حزب جديد ما يسمى بأمانة القبائل العربية؟ وهل من ينتمى للقبائل العربية يختلف سياسيا عن المصرى الذى لا ينتمى للقبائل؟ هنا سيكون السؤال: نظرا للتعددية الثقافية لابد أن يكون هناك اتحاد أو لجنة للمسيحيين وللنوبة وللصعايدة والبحاروة ...الخ

فهل هذا يعقل؟ وهل تلك المسميات تصب فى ظروفنا هذه لمزيد من التوحد أم لمزيد من التفكك؟ وهل هذا لصالح توحد الشخصية المصرية تلك الميزة الحضارية التاريخية، أم تشجيع لتفكك حضارى وثقافى وهوياتى؟ ياسادة الوطن فى أشد الاحتياج إلى تأكيد عوامل التوحد الحقيقى والانتماء المصرى الجامع، وليس العودة إلى الانتماءات الثانوية والقبلية والجهوية والطائفية والمناطقية. ألا ترون مايحدث فى سوريا واليمن والسودان وليبيا ؟ ومن الذى أفتى بتلك الافكار ولصالح من هذا؟ الوطن أهم من المصالح والأشخاص والانتماءات الثانوية والقبلية. الوطن والتوحد المصرى الحقيقى والأصيل يحتاج إلى تأكيد المواطنة الحقيقة وتحقيق دولة القانون والقانون وحده التى يطبق على الجميع بلا استثناء . 

حمى الله مصر الواحدة وشعبها الواحد بلا طائفية ولا قبلية . حفظ الله مصر كل المصريين المفتخرين بوطنهم ومصريتهم لا بطائفيتهم ولا بقبليتهم.
------------------------------
بقلم: جمال أسعد

مقالات اخرى للكاتب

الفكر الديني والمؤسسات الدينية