01 - 05 - 2025

عبيدٌ في ظل الهيمنة الصهيونية: لماذا رضينا بالذل والموت؟

عبيدٌ في ظل الهيمنة الصهيونية: لماذا رضينا بالذل والموت؟

في الزمن الذي كان فيه العبد يُقتل ويُغتصب ويُباع بلا حساب، كان ذلك أشبه بحالة لا يعرف فيها أحد للإنسانية قيمة. كان الدم رخيصًا، والإذلال سمة العصر. واليوم، يبدو أن هذا المنطق نفسه يسيطر على حياتنا نحن العرب والمسلمين، ولكن بشكلٍ مختلف. ليس هناك قيود مادية أو سلاسل تعيقنا، بل هناك جمود داخلي، وهناك صمت مقنع نعيشه كل يوم، بل نحتفي به.

الأمة التي كانت تملك القدرة على الإيمان بقوة الإرادة أصبحت اليوم أسيرة لضعف السلطة، تتراكم أحزانها في صدورنا دون أن نجد طريقًا نحو الغضب المخلص. هل يكفي أن نتحدث عن المجازر اليومية دون أن نتحرك؟ أن نمرّ على دماء الأبرياء من غزة إلى الضفة، ومن اليمن إلى سوريا، وكأنها مجرد أخبار متداولة؟ هذا المأساة ليست مجرد تقرير صحفي، بل هو اختبار لضمائرنا التي تواطأت مع الصمت.

لم نعد فقط نواجه تهديدات عسكرية، بل أصبحنا نشهد نوعًا آخر من العبودية، حيث تُوضع حياتنا في الميزان فقط كأرقام للتفاوض على طاولة الأمم الكبرى. عندما تُطلق رصاصة في غزة، نعرف أن هذا ليس مجرد فشل من طرف واحد، بل هو نتيجة لشرعية يتقاسمها الصهاينة وأمريكا. المجزرة ليست حادثة عابرة، بل هي تدبير متفق عليه يُنفذ بحرفية.

في هذا السياق، هل يمكن الحديث عن "حقوق الإنسان" بموضوعية؟ نعم، ولكننا نرى أن هذه الحقوق تصبح مجرد أداة توظف لتكريس هيمنة قوية على ضعفاء لا قدرة لهم على الرد. عندما تُسلب حقوق شعوبنا ونُغتصب كرامتنا، يظل الغرب مشغولًا بأزمة فردية لامرأة، بينما يقابل معاناتنا صمتًا مريبًا.

لكن كيف لنا أن نغادر هذا السكون؟

الانتفاضة ليست مجرد رد فعل، بل هي المسار الذي قد يغير معادلة التاريخ. نحن في مرحلة مفصلية؛ إذا كانت غزة اليوم، قد يكون غدًا أي مكان آخر. وهذا الوعي العميق يمكن أن يكون مصيرنا المشترك. هذا الوعي يجب أن يدفعنا للانتفاضة الفكرية والعملية على السواء.

إذا كان من الممكن أن نعيد بناء صورتنا، فلنبدأ بأن نرفض عيشنا كأرقام في قوائم الضحايا. لا يُمكن للصمت أن يكون الخيار. يجب أن نمتلك الشجاعة للخروج من هذا الصمت إلى الانتفاضة؛ ليس فقط ضد الاحتلال، بل ضد خنوعنا الداخلي، ضد تواطؤنا مع الهيمنة التي تتجاهل حقوقنا وتعتبرنا مجرد تفاصيل في معادلة عالمية أكبر.

من الصمت إلى المقاومة، من الجمود إلى التحرك الفعلي، يجب أن يكون هدفنا هو استعادة كرامتنا. الأمم التي تصمت تحت وطأة القمع الممتد لن تتحرر أبدًا. يجب أن نرفض الذل بكل أشكاله. يجب أن نرفض أن نكون مجرد أجساد تُحسب في أرقام التقارير.

إذا أردنا أن نغير الواقع، فإن البدء من هنا - من وعينا - هو السبيل الوحيد. لعلَّ هذه الكلمات، التي نكتبها اليوم، تكون جزءًا من هذه المقاومة التي يجب أن تتسع وتصبح قوة شعبية تمتد من الأرض إلى السماء.
-------------------------
بقلم: عز الدين الهواري

مقالات اخرى للكاتب

محكمة الذكاء الاصطناعي التجارية: ثورة فى عالم العدالة الرقمية