03 - 05 - 2025

"مصارعة اقتصادية حرة".. حين تتحول التجارة بين واشنطن وبكين إلى حلبة مفتوحة بلا حكم

في مشهد بات لا يختلف كثيرًا عن نزالات المصارعة الحرة، تقف الولايات المتحدة والصين وجهًا لوجه داخل حلبة الاقتصاد العالمي، في صراع تتوالى فيه الضربات دون توقف، حيث يسعى كل طرف إلى إسقاط الآخر اقتصاديًا، في معركة تتجاوز التجارة إلى ملفات السيادة والنفوذ العالمي.

آخر جولات هذه "المصارعة الاقتصادية الحرة" جاءت بإعلان الصين رفع الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية إلى مستوى غير مسبوق بلغ 84%، في خطوة وصفتها صحيفة بلومبيرغ بأنها "رد صيني مباشر ومؤلم على قرارات واشنطن الأخيرة".

وجاء ذلك بعد أن وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرسومًا رئاسيًا يرفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية من 34% إلى 84%، مع فرض رسوم إضافية تصل إلى 20%، لتتخطى بعض السلع عتبة 104% من الضرائب، مما يعد تصعيدًا خطيرًا في حرب تجارية لم تهدأ منذ أكثر من خمس سنوات.

دراسة: المستهلكون دفعوا ثمن الحرب التجارية بين واشنطن وبكين | سكاي نيوز  عربية

ضربة بضربة.. والجولة لا تزال في بدايتها

ترامب، الذي يعرف بنهجه الصدامي في الملفات التجارية، عاد مرة أخرى ليُشعل فتيل النزاع، معلنًا في بيان رسمي يوم الأربعاء عن رفع جديد للتعريفة الجمركية إلى 125% على المنتجات الصينية، وقال:"استنادًا إلى عدم احترام الصين لقواعد الأسواق العالمية، أقرر رفع الرسوم على المنتجات الصينية إلى 125%. لقد انتهى زمن الاستغلال، والولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي".

لم تمض ساعات حتى ردّت وزارة التجارة الصينية ببيان حاد اللهجة، أكدت فيه أن "الصين تملك الإرادة الحازمة والوسائل الكافية للرد على التصعيد الأمريكي المتكرر"، مضيفة أن بكين "لن تتراجع، وستقاتل حتى النهاية لحماية مصالحها الاقتصادية وأمنها القومي".

المشهد يزداد سخونة، وتبدو الحلبة الاقتصادية كأنها بلا قوانين ولا حكم، فكل طرف يصعّد أكثر في محاولة لإخضاع الآخر، وسط قلق عالمي متزايد من تأثير هذه الحرب على الاقتصاد الدولي.


الأسواق العالمية تتأرجح.. والعالم يدفع الثمن

ردود الفعل على هذه الجولة الجديدة من التوتر لم تقتصر على التصريحات الرسمية، بل امتدت إلى الأسواق المالية في آسيا وأوروبا، التي سجلت تراجعات جماعية، وسط تخوف المستثمرين من تأثير هذه السياسات الحمائية على سلاسل الإمداد والنمو الاقتصادي العالمي.

وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، بأن "حق الشعب الصيني في التنمية غير قابل للمساومة"، مؤكدًا أن "الصين لن تسمح باستخدام الاقتصاد كسلاح للضغط السياسي أو الابتزاز".

من جانبهم، حذر خبراء الاقتصاد الدوليون من أن استمرار هذه السياسة التصعيدية سيُفضي إلى نتائج وخيمة على كافة الاقتصادات، خصوصًا في ظل أزمة التضخم العالمية، وتقلبات الطاقة، وعدم استقرار المشهد الجيوسياسي في أكثر من منطقة.

هل قرعت طبول الحرب التجارية بين واشنطن وبكين؟ - نقاش مونت كارلو الدولية

صراع قديم بجولات متجددة

تعود جذور هذه الحرب التجارية إلى عام 2018، حين أطلق ترامب في ولايته الأولى أولى الضربات ضد الصين، متهمًا إياها بممارسات تجارية غير عادلة، وسرقة حقوق الملكية الفكرية، والتلاعب بالعملة،  وردت بكين آنذاك بإجراءات مماثلة، لتبدأ حرب جمركية ضربت مئات المليارات من السلع المتبادلة.

وعلى الرغم من محاولات التهدئة خلال فترة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن جذور التوتر بقيت حية، لتعود وتشتعل مجددًا مع اقتراب الانتخابات الأمريكية ومحاولة ترامب استعادة موقعه السياسي، متخذًا من الصين خصمًا يسهل تحميله مسؤولية التدهور الاقتصادي أو العجز التجاري.


هل هناك جولات قادمة... أم نهاية مرتقبة؟

يتفق معظم المحللين على أن الحرب التجارية بين الصين وأمريكا ليست مجرد خلافات اقتصادية، بل هي انعكاس لتنافس استراتيجي بين قوتين عالميتين تتنافسان على قيادة النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين.

ومع عودة الخطاب التصعيدي، تصبح كل جولة من هذه الحرب خطوة إضافية نحو تفكك النظام التجاري العالمي الذي تأسس عقب الحرب العالمية الثانية.

ومع غياب صوت الحكمة و"الحكم الاقتصادي العادل"، تبقى المصارعة مفتوحة على مصراعيها. فهل نشهد قريبًا اتفاقًا يعيد الطرفين إلى طاولة المفاوضات؟ أم أن الجولة القادمة ستكون الأكثر عنفًا وربما الأخيرة قبل الضربة القاضية؟

و يبدو أن الاقتصاد العالمي هو المتفرج الأبرز في هذه الحلبة، ينتظر من سيسقط أولاً ، لكن الأكيد أن كلفة المعركة ترتفع على الجميع، وكل ضربة توجه، تخصم من رصيد الاستقرار العالمي.