توجهت بسؤال محير إلى العديد من الأخوة والأصدقاء هو: لماذا لا توجد أية احتجاجات أو ردود أفعال من الشعوب العربية ولا من حكامها على مجازر غزة؟ ما الأسباب في رأيكم؟
وصلتني الكثير من الاجابات، واخترت أهمها، شاكرة لجميع الأخوة والأخوات مشاركتهم لرأيهم الكريم.
وكانت كالتالي:
١- الشعب الفلسطيني في غزة يستعينون بالموت للخلاص من واقعهم المرعب.
٢- الاعتياد والتعود مرض قاتل، وشعوبنا العربية بعضها تعوّد على الكلل والملل والخنوع، واُشغلت بملهيات الحياة التافهة والكثيرة، وبعض الشعوب العربية الأخرى عانت وتعاني مثل الشعب الفلسطيني، وهي مرهقة بأوضاعها.
٣- الركون إلى الدنيا وملذاتها الفانية.
٤- هذا السؤال موجع وإجابته أكثر وجعًا، لأنه لم يَعُد هناك إنسانية؛ أحياناً نعتقد بأن شيئاً ما في الأطعمة التي نتناولها تجعلنا بلا نخوة؛ بلا حمية؛ بلا مشاعر. ربما حان وقت استبدالنا بقوم آخرين.
٥- سؤال ممتاز، بالنسبة للحكام، فهم متمسكون بكراسيهم ولا يهمهم غير ذلك، أما الشعوب فلنسأل أبناؤنا، وبذلك نقيّم مدى تعاطيهم مع ما يحصل في غزة، والأفضل أن نعمل استبيانا موجها بحسب الفئات العمرية، لمعرفة رد فعلهم على ما يحصل، والأغرب من ذلك أن حراك الشباب الغربي الذي لا يربطهم دين ولا لغة أكثر تفاعلاً وإنسانية منا نحن الأمة الإسلامية والعربيه، فعلأ سؤال محير مع أن تاريخنا مليء بالانتصارات والعزة والنخوة.
٦- الأسباب واضحة، فالحكام أدخل الصهاينة في عقولهم أن وجودهم على الكراسي مرتبط ببقاء الكيان الصهيونى، وهذه فكرة خاطئة ومن جملة أكاذيب الصهاينة، لكن الأنظمة العربية صدقتها، أما الشعب العربي فلم يستطع أن يحرر نفسه فكيف يحرر غيره، والفلسطينيون وحدهم الذين أدركوا هذه الحقيقة ويعملون بموجبها لتحرير بلدهم، دون النظر لأي دعم جاء أو لم يأت لهم.
٧- المشاركة الضعيفة للجماهير العربية مع أحداث فلسطين وطوفان الأقصى، مقارنة بالحراك الطلابي في أوروبا وأمريكا، تجعلنا نتساءل أين العرب؟ فلا يختلف اثنان على أن نكبة فلسطين هي أم النكبات في شرقنا المستباح، وهي أم القضايا العربية التي تستنزفنا قرابة القرن، فإذا كان المقصود عرب الخليج، فمنذ بداية النكبة وحتى اليوم كانت مشاركتهم تناسب حجمهم وامكاناتهم البشرية والعسكرية والسياسية، والتي يظن البعض أنها ستكون في صالح القضية بعد الوفرة النفطية لاعتبارات قومية ودينية، ومع سيطرة الشركات الأجنبية المكتشفة تلك الثروات على إنتاجها وتسويقها في منطقة بدوية رعوية، كان خارج خيالها أن تكون لها تلك الأهمية، فكيف وبعد أن أثرت تلك الثروة في معظم مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وجعلت أهلها أقلية تعيش بين أكثرية أجنبية، أن يكون لها دور يتناسب مع طموحات نخبها السياسية؟
بعد ذلك اتسعت رقعة النكبات التي خططت لها الدول نفسها التي أنتجت النكبة الأولى، لتشمل العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان والحبل جرار، فأصبحت الدول العربية المؤثرة والمتأثرة من النكبة الأولى مشغولة بنفسها ونكباتها.
فهل الطلاب والعمال والشباب العربي خارج عن التأثير بما نُكبت به بلادهم؟ ألا يعانون من التهجير والتدمير واللجوء كشعب النكبة الكبرى؟ ألم ينتشِ صانعو النكبة الكبرى فرحًا بانهيار الاتحاد السوفييتي وسيطرة أمريكا على العالم أجمع؟
لقد تفرج الجميع على نكبات العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان، حتى جاء طوفان الأقصى لينكشف كل طرف ودوره في صناعة النكبة الأولى، ودوره أيضا في باقي النكبات التي كان نتاجها الوضع الراهن، والجمهور المشغول بواقعه المخيف حتى أذنيه، ألم يفرح البعض بما حلّ بكل تلك الدول؟ ألم يرّ البعض آمالًا في واقع جديد سيبنيه رعاة النكبة؟
ألم يعيشوا على أمل أن يكون مصير الدولة الداعمة الجديدة لقضيتهم الأولى - سواء إيران أو تركيا أو روسيا أو حتى الصين - كمصير من سبقهم الاتحاد السوفييتي؟
ألم يناصروا كل حراك في ساحات تلك الدول التي كان استنزافها غاية في الأهمية لصناعة الواقع الراهن الذي يتباكون عليه؟ حتى مع اعتراف رعاة النكبات بحجم الأموال التي ضُخت في تلك الساحات، لم يغير ذلك من خطاب الذين يلومون ويستصرخون شعوب هذه الدول التي برروا نكبتها.
فلكل شيء سبب وكل سبب يتبعه سبب آخر.
٨- السبب الأول والأهم هو الاستبداد القابع على أنفاس الشعب العربي، والذي يحوُل الإنسان إلى حيوان أو جماد بلا روح ولا قلب ولا إنسانية.
٩- "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ".
صدق الله العظيم.
------------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
سفيرة السلام والنوايا الحسنة - المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام