بعيدا عن كل تفسيرات تصريحات الرئيس الأمريكي "سمسار غزة العقاري"، "دونالد ترامب"، والصهيوني "بنيامين نتنياهو" في أعقاب لقاء قمة في البيت الأبيض، لا يمكن أن يخرج استقبال العاصمة الأمريكية لزعيم حرب الإبادة إلا بأنها تأكيد على شراكة استراتيجية في هذه الحرب، وإعلان أمريكي لدعم هذه الحرب بكل صورها، والاستمرار في هذا الدعم إلى ما لانهاية.
كلمات قصيرة وواضحة تؤكد هذا الموقف "الأمريكي صهيوني"، ما قاله ترامب، "أنا أفضل رئيس للولايات المتحدة في تاريخ العلاقات مع إسرائيل"، ثم قوله "تعمل أمريكا على تقديم المساعدة لإسرائيل، بالرغم من أن الأوضاع في المنطقة ليست بالسهلة"، وهذا تأكيد على تحالف بين "ترامب – نيتنياهو"، فالرئيس الأمريكي يعتبر رئيس الوزراء الصهيوني حليفه الرئيسي والأهم فهو "بيبي" كما يسميه سمسار عقارات غزة، وهذا هو الواقع رغم ما يقال من تفسيرات حول إلغاء البيت الأبيض للمؤتمر الصحفي المشترك بينهما.
التجربة مع واشنطن وعاصمة الاحتلال تؤكد أن العبرة بالنتائج على الأرض وليست بالتصريحات التي تخرج من هنا أو هناك، فما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الإثنين 7 أبريل، "حرب غزة ستتوقف في المستقبل القريب"، لا يمكن أن يصدقه أحد إلا أن يكون واقعا ويواكب ذلك حركة عبور وتدفق للمساعدات، والبدء في مراحل متقدمة والتزامات بإعمار غزة، والدخول في مراحل أكثر تقدما في إقامة الدولة الفلسطينية، وتعهدات دولية على الكيان المحتل الصهيوني، بعدم تكرار هذه الحرب.
ولكن في مقابل هذا كانت هناك قمة أخرى في القاهرة، ساهمت في قلب الموازين، بل رسائلها وما جرى على هامشها، وصلت بعض الطموحات المتوقعة منها للجانب الصهيوني، ولو نسبيا، فمن الملاحظ أن الكلمات كانت مختلفة في قمة القاهرة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفرنسي ماكرون، والملك الأردني عبد الله الثاني"، برفضهم تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وأية محاولة لضم الأراضي الفلسطينية.
ودخل الزعماء الثلاثة مباشرة في توصيف الوضع في غزة بالخطير وحرب إبادة، ودعوا إلى عودة فورية لوقف إطلاق النار، لحماية الفلسطينيين وضمان تلقيهم المساعدات الطارئة الإنسانية بشكل فوري وكامل، مع تطبيق فوري لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 19 يناير الذي نص على ضمان إطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين، وضمان أمن الجميع.
كلمات القادة الثلاثة لم تهادن وركزت على كبد الحقيقة، بضمان حماية المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية، وضمان إمكانية إيصال المساعدات بالكامل، لأنها التزامات يجب تنفيذها بموجب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وفي الوقت الذي تجاهل لقاء "ترامب – نيتنياهو" كل المسائل الإنسانية، وكأن ما يحدث في غزة "العاب أطفال بالبمب"، جاء تصريحات قادة القمة الثلاثية، معبرة عن "قلقهم البالغ بشأن تردي الوضع الإنساني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مؤكدين على وقف كل الإجراءات الأحادية التي تقوض إمكانية تحقيق حل الدولتين وتزيد التوترات، وعلى ضرورة احترام الوضع التاريخي القائم للأماكن المقدسة في القدس".
ولأن ما يحدث في غزة تحت حرب الإبادة الصهيونية، كان من المهم إيصال موقف ورسالة للرئيس الجالس في البيت الأبيض، من خلال اجراء مكالمة هاتفية معه، لمناقشة سبل ضمان وقف إطلاق النار بشكل عاجل في قطاع غزة، واستئناف الوصول الكامل لتقديم المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين على الفور.
ولاشك أن هذا الموقف كان له انعكاس على القمة "الأمريكوصهيونية"، لتتحول إلى مناقشات رئيسية للقضية الرئيسية والخاصة بالشعب الفلسطيني، واختفت بنود من على جداول الأعمال، فكانت رسائل قمة القاهرة "الثلاثية" بالتشديد لرئيس البيت الأبيض على أهمية تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق أفق سياسي حقيقي وتعبئة الجهود الدولية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، واستعادة الأمن والسلام للجميع، وتنفيذ حل الدولتين، مع الإبقاء على اتصال مباشر وتستمر حول هذا الملف، والسلام الدولي.
إلا أن أطماع نتنياهو لا تنتهي، ومن المهم أن نأخذ بجدية ما قاله "ناقشت مع الرئيس ترامب موضوع هجرة الغزيين والدول التي من المحتمل أن تساعدنا في استيعابهم"، ثم اللعب بالكلمات حول حرب الإبادة بالقول "نريد التخلص من إرهاب حماس وتمكين الفلسطينيين في غزة من الذهاب إلى أي مكان".
--------------------------
بقلم: محمود الحضري