ضرب الرجل كل الأرقام القياسية من حيث عدد القرارات التي أصدرها في غضون أسابيع قليلة منذ تولى الحكم. لم تكن السنوات الأربع السابقة – منذ خسر انتخابات الرئاسة عام 2021- سنوات ظل.كانت سنوات صراعات واتهامات ومحاكمات، ومع هذا لم يغب مقعده في البيت الأبيض عن عينيه، ظل يعمل استعدادًا ليوم عودته، وحين عاد اختصر المسافات والأزمنة، لم يترك ملفًا على الطاولة إلا وأصابه منه قرار؛ الصحة، التعليم، الطاقة، الحدود، المهاجرين، وغيرها.
يوقع القرار ثم يشرع في توقيع قرار آخر، دون أن ينشغل بما تخلفه من دوامات ولا بإلغاء المحكمة الفيدرالية، قرارات من قبيل ترحيل المهاجرين وتجميد المساعدات الأجنبية، لم يلق بالاً لكل هذا واستمر يصدر قراراته إلى أن أطلق إعصار التعريفة الجمركية على نحو ستين دولة بنسب تراوحت من 10% إلى 54%
كل الدول في مهب ريح التعريفة سواء، حتى تلك الابنة المدللة التي تسحب من مخزون السلاح الاستراتيجي الأمريكي دونما حساب، فرض على صادرتها نسبة 17%، في حين حظيت الصين وفيتنام وتايوان بالنسب الأعلى؛ 34%، 46%، و54%، على الترتيب، بينما تم التعامل مع دول الاتحاد الأوروبي كحزمة واحدة؛ 20%
ولأن لكل فعل رد فعل، فقد اتخذت العديد من الدول إجراءات حمائية وفرضت رسومًا مضادة، ولتُعلَنْ الحرب التجارية بشكل شبه رسمي وتتراكم الخسائر تباعًا؛ امتصت فقاعتي التضخم والركود أكسجين الأسواق، فقدت بورصة وول ستريت أكثر من 6,6 تريليون دولار، وتجاوزت خسائر الشركات الأمريكية التريليوني دولار، وتراجع مؤشر نيكي الياباني بأكثر من 4%، وتهاوت بورصات آسيا والخليج
من الصعب الإحاطة بكافة تبعات مثل هذه القرارات ومدى تأثيرها على مستويات التضخم بعد سنوات من تباطؤ الاقتصاد العالمي تأثرًا بفيروس كورونا المستجد ومن بعده الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك مدى إمكانية وجود أسواق بديلة للسوق الأمريكي، أخذًا في الاعتبار ما وضعه الاتحاد الأوروبي من ضوابط لتحديد سعر عادل للكربون يضاف إلىسعر العديد من وارداته، فيما يعرف بـآلية ضبط حدود الكربون Carbon Border Adjustment Mechanism, CBAM.
في مثل هذه المواقف تفكر الدول في سُبل تحويل المخاطر إلى فرص؛ هل يمكن أن تصبح الدول ذات التعريفة الأقل؛ 10%، مثل مصر، ملاذًا آمنًا لنظيرتها ذات التعريفة الأعلى؟، ربما!
في عالم الأعمال لا تشغل نفسك بالقرار، انشغل بمنهجية اتخاذ القرار؛ بمعنى ما هي الأدوات التي يرجع إليها متخذ القرار؟،و كيف يحصل على بيانات دقيقة تمنحه صورة واضحة؟، فلا تخدعه العدسات المقعرة ولا تلك المحدبة، ثم كيف يختار التوقيت الأنسب لإعلان قراراته؟، وهل هناك مؤشر لقياس آثار تلك القرارات؟.
بحسب تقرير نشرة إنتربرايز، وصفت المستشارة التجارية السابقة للبيت الأبيض كيلي آن شو، الإجراءات الأمريكية بأنها "أكبر إجراء تجاري منفرد في حياتنا"، بمعنى أنها جرت اتباعًا لمبدأ (الرأي ما رأى الأمير).
والأمير في الفكر الغربي، هو من كتب له المفكر والفيلسوف الإيطالي، نيقولا مكيافيللي (1469-1527)، كتابه الأشهر (الأمير)، والذي اختصره العامة في جملة من ثلاث كلمات (الغاية تبرر الوسيلة)، كأنما تغنيك عن قراءته وجعلوا منها منهجًا يتبعه الأمير متى وأين شاء، بينما استخدمها مكيافيللي لغرض حماية الدولة وقت الحروب.
ولكن من قال إن ساكن البيت الأبيض في حاجة إلى كتاب الأمير، فقد وضع جنابه أمريكا فوق الجميع، واكتفى بكلمتين بدلاً من ثلاث؛ (أمريكا أولاً).
-------------------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]