01 - 05 - 2025

وصار الموت مُعتادًا فاقدًا هيبتَه !!

وصار الموت مُعتادًا فاقدًا هيبتَه !!

في غز..ة؛ لم يعد الموت مُفجعًا؛ ولا الجوع مُستنكرًا؛ صارت الجثث المُشتّتة تحت الأنقاض مشهدًا يوميًّا، والأطفال الهزيلون الذين يبحثون عن لقمة في القمامة جزءًا من الرّوتين اليومي بل كل دقيقة.

العالَم يشاهد بقلب قُدّ من حجر، فالحرب الطويلة التي أنهكت القطاع حوّلت الكارثة الإنسانية إلىٰ "وضعٍ طبيعيٍّ" يُقبل بصمتٍ مخجلٍ !!

بات الموت معتادًا فلم يعد يُبكي أحدًا !! فكل يومٍ تُضاف أرقامٌ جديدةٌ إلىٰ قوائم القتلىٰ.. عشرات.. مئات.. آلاف.. الأرقام تتراكم وتتراكم لكن صداها لا يتجاوز شاشات الأخبار العابرة !!

الأطفال الذين كانوا يلعبون في الشّوارع صاروا إحصاءات في تقارير الأمم المتحدة، العائلات التي دُفنت تحت منازلها لم تعد قصصًا مؤثّرة بل صارت مجرد "خسائر جانبية" في حرب لا تُفرّق بين مدنيّ ومقاوم.

العالم يتعامل مع "الموت" في "غز..ة" كما لو كان ظاهرة مُناخية طبيعية كالمطر أو الحرّ والبرد لا سيطرة للإنسان عليها.  

الجوع أصبح أسلوب حربٍ.. والعالم في صمتٍ.. الحصار الطّويل حوّل الغذاء إلىٰ سلعة خياليّة.. الأمهات يُضطررن إلىٰ إطعام أطفالهنّ "عصيدة" من الأعشاب، والأطّباء يشهدون كيف يهزل المرضىٰ في المستشفيات ليس بسبب جراحهم، بل لأنّ الأدوية والغذاء نفدا.. الأمم المتحدة تحذّر من مجاعة قريبة، لكن تحذيراتها تُدفن تحت السّياسات الدّولية التي تُقدّس "حق الدّفاع" أكثر من حق الحياة !! الجوع لم يعد طارئًا إنسانيًّا يا سادة؛ بل أداة عقابٍ جماعيٍّ يُمارس على مليوني إنسان !!

طالت الحرب كل شيء حتى المشاعر.. فلم تُدمّر المنازل والبُنى التّحتية فقط، بل وُئدت الأحلام أيضًا.. الطلاب الذين كانوا يدرسون ليصبحوا أطباء أو مهندسين صاروا عاجزين عن تخطي اليوم الواحد.. الفن والثّقافة صارا رفاهية في مكانٍ يُناضل من أجل الماء النّظيف.. حتى التّعاطف الإنسانيّ بدأ يتبدّد؛ فالتّعبير عن الغضب لم يعد كافيًا، والدّعم الماديّ محكومٌ بقيود السّياسة، لتعيش غزّ..ة في حلقةٍ مُفرغةٍ: حربٌ تخلق فقرًا، وفقرٌ يزيد الانقسام، وانقسامٌ يُطيل أمد الحرب !!  

السؤال الأكثر إيلامًا: لماذا لا يتحرك العالَم ؟ لماذا صارت مأساة غز..ة "مقبولة" ؟! الإجابة تكمن في ازدواجية المعايير، فحين يكون الضّحايا فلـ...سطينيين، تُختزل قضيتهم في: "صراع معقّد"، وتُجرّد إنسانيتهم من أي قيمة أمام: "اعتبارات أمنية".

الإعلام العالميّ يتعامل مع القضيّة كخبرٍ عاديٍّ، والسّياسيون يُدينون "الجانبين كليهما" !! بينما الأطفال يُقتلون !! الكيل بمكيالين جعل "الموت في غز..ة أقل أهمية من الموت في أي مكان آخر !!

النتيجة: إنسانية مُعلّقة بانتظار معجزة، غز..ة لم تعد تطلب سوىٰ البقاء؛ لكن في عالَمٍ يرىٰ كلّ شيءٍ ولا يفعل شيئًا، حتىٰ البقاء صار ضربًا من المستحيل.

الرّوايات التّاريخية ستذكر كيف تحوّل البشر إلىٰ مشاهدة الموت والجوع وكأنهما جزء من الطّقس اليوميّ المعتاد. لكن السّؤال الذي يتردد في صدورنا الآن وفي أعين الصّغار: متىٰ ينتفض الضّمير العالميّ ليصرخ: كفىٰ.. متىٰ ؟
-------------------------------
بقلم: حنظلة الفلسطيني
* إعلامي يعيش في غزة


مقالات اخرى للكاتب

سفير قطر يتسلم لوحة فنية من طفلة بمستشفى 57357 ويُشيد بجهود الطاقم الطبي والإنساني