عندما اهتزت البورصة الأمريكية وسقطت أسواق المال في موجة هلع غير مسبوقة، لم يكن الأمر مجرد أزمة اقتصادية عابرة، بل كان بمثابة زلزال سياسي ضرب صميم إدارة ترامب، وأعاد طرح الأسئلة الجوهرية: هل وصل الجنون إلى نهايته؟ هل نشهد بداية سقوط الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي؟ أم أن الجماهير الأمريكية – بخياراتها وولائها – لا تزال تصرّ على منح هذا الجنون شرعية شعبية؟
الأسواق لا تكذب… والشارع ينتفض
في الاقتصاد، لا مجال للمجاملات. فالبورصة، التي طالما تغنى بها ترامب كرمز لنجاح سياساته، كانت أول من لفظه عندما تهاوت المؤشرات بفعل قراراته العشوائية وتهديداته الجيوسياسية. ولأن المال جبان، فقد فرّ من إدارة ترى في الصراع وسيلة حكم، وفي العقوبات لغة تفاهم.
وبينما انهارت الأسواق، خرجت موجات احتجاجية تجتاح المدن الأمريكية الكبرى: نيويورك، شيكاغو، لوس أنجلوس، وحتى مدن الحزام الجمهوري نفسه. لم تعد الأصوات الغاضبة حكرًا على الليبراليين والديمقراطيين، بل تسرب السخط إلى داخل البيت الجمهوري، حيث بدأ التململ من قيادة اختزلت الدولة في فرد، والسلطة في مزاج، والسياسة في تغريدات.
هل يسقط الحزب الجمهوري؟
في انتخابات التجديد النصفي، لن يكون التصويت فقط على مقاعد، بل على مشروع حكم كامل قائم على الشوفينية، والابتزاز، والخطاب الانقسامي. والحزب الجمهوري، الذي باع نفسه لترامب في صفقة شيطانية، بات في مهب الريح. فهل يستطيع الناخب الأمريكي – الذي سلّم أمريكا إلى رجل أعمال متهور – أن يسحب تفويضه؟ أم أنه، بكل بساطة، يعكس حقيقة مجتمع قرر أن يرقص على حافة الهاوية؟ تمرد جمهوري… ومؤشرات على تفكك فيدرالي
في تطور لافت، قدّم أحد أعضاء الحزب الجمهوري مشروع قانون يُقيّد صلاحيات ترامب، ويمنعه من فرض أي رسوم جمركية جديدة إلا بموافقة الكونغرس. خطوة غير مسبوقة، تشير إلى حالة ارتباك داخل الحزب ذاته، وإدراك متأخر بأن الرجل الذي ركب موجة الغضب الشعبوي قد يغرق السفينة بأكملها.
أما الأخطر، فهو ما أعلنته ولاية فلوريدا، التي بدأت فعليًا تغرد خارج السرب الفيدرالي، مطالبة بصلاحيات أوسع وخط اقتصادي مستقل عن واشنطن. رسالة تحمل أكثر من معنى، أبرزها أن نواة التصدع الفيدرالي بدأت تتشكل، وأن أمريكا قد تكون – من حيث لا تدري – على أعتاب نسخة محدثة من حرب الانفصال، لا تستخدم الرصاص، بل السيادة الاقتصادية.
الأمريكيون… هل هم الأكثر تطرفًا؟
هذا السؤال لم يعد رفاهية تحليلية، بل ضرورة لفهم الواقع. فخلف كل ديكتاتور، شعب صامت أو مؤيد. وإذا كانت الشعوب العربية قد عاشت لعقود تحت قبضة الاستبداد، فإن أمريكا تُظهر اليوم أن ديمقراطيتها قد تفرز ما هو أسوأ: طغيان مُنتخب، مسنود بجمهور لا يقل تطرفًا عنه.
حين يختار الناخب الأمريكي ترامب مرة بعد أخرى، رغم سياساته الكارثية داخليًا وخارجيًا، فإن الرسالة التي تصل إلى العالم واضحة: هذا ليس مجرد انحراف سياسي، بل انكشاف حضاري. إنها لحظة يتجلى فيها الوجه القبيح للإمبراطورية، ليس فقط في قرارات رئيسها، بل في ضمير ناخبيها.
شتات من حثالة الأمم؟
قد تبدو العبارة صادمة، لكنها تطرح نفسها بقوة. فأمريكا التي قامت على جمع الشتات، تصطدم اليوم بحقيقة أن هذا الخليط قد لا ينتج إلا ما نراه: تفوق عنصري، عجز أخلاقي، وتأييد أعمى لديكتاتور يرتدي بدلة رئيس.
والسؤال الجوهري الآن: هل يتدارك الأمريكيون أنفسهم ويقلبون الطاولة؟ أم أن ماكينة الكراهية أقوى من صوت العقل؟
العالم ينتظر، والتاريخ يسجل.
---------------------------------
بقلم: عز الدين الهواري