استكمالاً لما أوضحته في مقالي السابق في صحيفة المشهد الغراء تحت عنوان : " اغتيال الرسول ! " ، وخاصة فيما يتعلق بإنتهاكات إسرائيل ومخالفتها للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ، وما نص عليه ذلك الميثاق في مواده ٢٥ و ٦ ، بما يتيح المطالبة بطرد هذه " الدولة المارقة " من المنظمة الدولية ؛
أضيف في هذا المقال ما أوردته في كتابي – تحت الطبع – " دبلوماسية السويس " ، وهو يؤكد ما ذهبنا إليه من أن السلوك الإسرائيلي ليس جديداً ، وإنما هو سياسة ثابتة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ خلق هذا الكيان بقرار من الأمم المتحدة ، نفس المنظمة الأم التي أعلن ذلك الولد العاق " المارق " رفض كل قراراتها ، وعدم احترامها بما فيها القرار ١٨١ الذي أنشآ ذلك الكيان المصطنع .
أوردت في كتابي المشار إليه ، تطورات معركة السويس وخاصة المبارازات الدبلوماسية علي هامش قعقعة المدافع وهدير الطائرات ، حين وقفت مصر وحدها في مواجهة مؤامرة ثلاثية شاركت فيها دولتان كبيرتان ( أو كانتا حتي ذلك التاريخ كذلك ) ، هما بريطانيا العظمي وفرنسا ، ومعهما الذيل الذي خلقاه في منطقة الشرق الأوسط وأطلقوا عليه إسم إسرائيل.
وفقاً للمؤامرة التي شرحت بالتفصيل فصولها في كتابي ، والتي ظل أطرافها ينكرونها لسنوات عديدة ، حتي تكشفت تدريجياً بعد أن رفعت سرية بعض الوثائق ، وملل بعض أطراف المؤامرة ، مثل رئيس وزراء إسرائيل بن جوريون الذي شعر بالضيق من إنكار الفرنسيين والبريطانيين من علاقتهم بإسرائيل في تلك المؤامرة ، لدرجة أنه صرخ ذات يوم : "إسرائيل ليست امرأة ساقطة ، ينكرها الجميع بعد أن أمضوا معها ليلة ممتعة !!" .
الواقع أن تلك "المرأة الساقطة" علي حد تعبير بن جوريون ، كانت قد حققت دودها في المؤامرة بكفاءة ، ونجحت في إحتلال جزء كبير من شبه جزيرة سيناء ، واقترب جيش الغزو الأنجلو / فرنسي بالفعل من شواطئ بورسعيد ، في نهاية شهر آكتوبر ١٩٥٦ ، حين فوجئت لندن وباريس برد فعل الرئيس إيزنهاور العنيف ضد ما قاموا به دون استشارته ، بل ولأنهم خدعوه بمعلومات غير صحيحة ، وهكذا قادت أمريكا معركة في الأمم المتحدة لصدور قرار يدين إسرائيل ، ويطالبها بالإنسحاب إلي ما وراء خط الهدنة ( الذي يختلف عن خط حدود فلسطين تحت الإنتداب التي تم الإستناد إليها في كامب ديفيد فيما بعد للأسف ، وهو موضوع كتاب آخر علي كل حال ) .
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد ، بل أن رئيس وزراء الإتحاد السوفييتي بولجانين ، أرسل إلي العاصمتين لندن وباريس يذكرهما بأنهما إذا كانا أقوياء ، فهناك من هو أقوي ويستطيع أن يرسل الصواريخ إليهما في عقر دارهما ، كما أرسل إلي إسرائيل يهددها بإزالتها من علي الخريطة .. ومن ناحية أخري ، أرسل إلي الرئيس الأمريكي مقترحاً القيام بعمل عسكري مشترك ضد تلك الدول لإرغامها علي وقف إطلاق النار والإنسحاب الفوري من الأراضي المصرية .
حينذاك ، وكما جاء في كتابي : " بدأ المتآمرون يشعرون بمخاطر الإستمرار في مغامرتهم ، خاصة مع المقاومة الباسلة التي أبداها الشعب المصري في بورسعيد مما عرقل الخطط التكتيكية في سرعة إحتلال منطقة قناة السويس بالكامل في يومين ، وبالطبع كان يكفي إسرائيل أنها أحرزت " نصراً " عسكرياً ، حتي ولو كان مشكوكاً في أصالته كما آوضحنا في فصل المعركة ، لكن الأهم بالنسبة لها أنها نجحت بمعاونة فرنسا علي وجه الخصوص في تدمير عدد هائل من معدات الحرب المصرية ... أما فرنسا وبريطانيا ، فقد سارعا بكل خضوع ومذلة أيام ٤، ٥ نوفمبر ١٩٥٦ إلي أعتاب البيت الأبيض يستعطفون الغفران ، ويرجون الحماية من الدب الروسي الذي بدا ثائراً غاضباً ، ولا زالت مدرعاته تهز الأرض في تلك الأيام مكتسحة دولة المجر المجاورة .
توالت الاتصالات والرسائل من لندن وباريس علي البيت الأبيض تحاول أن تحصل علي مخرج لائق لقواتها التي ظلت تحشدها شهوراً ، ثم ما كادت تنزلها علي شواطئ بورسعيد ، حتي أصبح عليها الأن سرعة سحبها بلا شرط أو قيد ، وإلا .... .
رغماً عن كل ذلك ، وقف بن جوريون يوم ٧ نوفمبر ١٩٥٦ ، أمام الكنيست ، كي يعلن بصلافة رفض قرارات الجمعية العامة بشأن نشر قوات للأمم المتحدة في إسرائيل أو في المناطق التي تحتلها ( في سيناء ) ، وأعلن كذلك أن إتفاقية الهدنة بين إسرائيل ومصر لعام ١٩٤٩ هي وثيقة " ميتة ومدفونة " ، وأن خطوط الهدنة لم تعد لها أية صلاحية ، لكنها من ناحية أخري أعلن أيضاً عن أمله " في إبرام معاهدة سلام مع مصر " ( وذلك هو الهدف الإستراتيجي الذي خططت له الصهيونية حتي من قبل إنشاء الكيان نفسه لضمان تحييد مصر من الصراع العربي / الإسرائيلي ، كي تنتهي من مهمتها في التهام الشرق العربي ، قبل أن تستدير علي مصر في نهاية الأمر كي تحقق الحلم الكبير ) .
وفي ذات اليوم ، في نيويورك ، استدعي الأمين العام للأمم المتحدة النبيل داج همرشلد ، مندوب أمريكا السفير لودج ، وأبلغه أنه وفقاً لتقرير من الجنرال بيرنز ، فإن حكومة إسرائيل تنوي ، وربما اتخذت بالفعل خطوات لطرد مراقبي الأمم المتحدة لخطوط الهدنة (UNTSO ) من منطقة غزة .
أخبر همرشلد المندوب الأمريكي ، أنه إذا أصرت إسرائيل علي هذا الموقف ، فإنه يتوقع رد فعل قوي من أعضاء الأمم المتحدة ، قد يؤدي إلي طرد إسرائيل منها .( وكانت الغالبية المطلقة من أعضاء الأمم المتحدة آنذاك ، تدعم مصر التي كانت إحدي آهم قيادات مجموعة دول عدم الإنحياز ، ولديها قوة تصويتية هائلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ) .
وهكذا دارت عجلات التاريخ ، وفي كل محطة من محطاته ، أثبت ذلك الكيان المصطنع ، أنه لا يستحق التواجد بين الدول المتحضرة ، لأنه كيان ينتمي إلي عصور التوحش والظلام .
نداء إلي ضمير الإنسانية : " طرد إسرائيل من الأمم المتحدة قد ينقذ السلام ، لأن شعبها قد يدرك خطورة ما تقوم به حكوماتهم العدوانية العنصرية ، فيقومون بتغييرها ، بل وتغيير المنهج الصهيوني العنصري كله ، لوقف إراقة الدماء اليهودية والمسيحية والمسلمة في أرض فلسطين المقدسة ... اطردوا إسرائيل ، فهي آخر مثال تبقي من عصور الإستعمار البائدة... اطردوا إسرائيل ، تنقذوا ضمائركم ، ومعها شعبين : اليهودي والعربي " ...
----------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق