بقلم/ جمال أسعد
مصر، منذ أن وُجدت قبل التاريخ بتاريخ، كانت ولا زالت وستظل الدولة المركزية التي تعتمد على الموقع والموضع، على المكان والمكانة، على التاريخ والجغرافيا، على الحضارة والهوية. لم تعتمد مصر على ثروة طبيعية بقدر اعتمادها على الدور. فدور مصر التاريخي والحضاري لا يدانيه أي دور آخر في المنطقة، من الذين عاشوا ويعيشون على ضفاف حضارات الآخرين.
ولذا كان قدر مصر دائمًا هو العطاء للآخر، أيّ آخر، بكل حب وترحاب، وهذه سمة وطبيعة الدولة الحضارية. هذه التركيبة وتلك الخلطة هي التي حددت مسار الوجود المصري تعاملًا وسياسة داخلية وخارجية. فمصر تحترم كرامتها وتحافظ على كرامة الآخر. لا تتدخل في شؤون أحد، ولا تسمح لأحد بالتدخل في شؤونها. وهذه الصفات وتلك السمات هي نتاج لقيم مصر الدينية ذات الهوية المصرية الخاصة منذ الديانة المصرية القديمة، مرورًا بالمسيحية ذات النكهة المصرية، وصولًا إلى الإسلام ذي النكهة المصرية أيضًا.
ولذا رأينا مصر، بالرغم من التعددية السياسية لأنظمتها، تسير مصر العميقة والتاريخية حسب تلك الخلطة السحرية الحضارية. رأينا مصر، في إطار القضية الفلسطينية، ومنذ البداية، تسير في طريقها الذي أوجدته الجغرافيا وعززه التاريخ. فكان من الطبيعي أن يرتبط الأمن القومي المصري بالأمن القومي الفلسطيني، باعتبار أن كل الغزوات والهجرات الجماعية التي جاءت إلى مصر كانت من البوابة الشرقية.
دخلت مصر ودفعت الثمن غاليًا في كل الحروب: 48، 56، 67، 73… وحتى الآن تدفع مصر الثمن، بطريق مباشر أو غير مباشر، باعتبار أن هذا هو قدرها ودورها التاريخي.
تبنت مصر المقاومة الفلسطينية، ومنذ البداية 1965، بكل فصائلها وبكل مسمياتها. وبعد الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني، قامت مصر ولا زالت تحاول وتجاهد على جمع الشأن الفلسطيني، باعتباره الفعل الأول والأهم لأي حل، حربًا أو سلمًا.
بعد 7 أكتوبر 2023 وحتى الآن، وما تم وكان من تغيرات استراتيجية للقضية الفلسطينية والمنطقة برمتها، بعد تلك التدخلات الأمريكية والغربية، ومع إسقاط دور القانون الدولي والمؤسسات الدولية، وإعلان المخطط الاستعماري الذي يهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية وتغيير الشرق الأوسط، وصولًا لإعلان دولة “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات.
بعد تلك النتائج الخطيرة التي وصلت إليها إسرائيل، بمساندة الصهيونية العالمية، وبعد ما حدث لسوريا الأسد، وإضعافًا لإيران وحزب الله، وما حدث ويحدث لحماس…
وبعد تلك المجازر البشرية غير الإنسانية وغير المسبوقة، والتي تهدف إلى تحقيق المخططات الهادفة إلى إنهاء القضية الفلسطينية!!! نعم، إنهاء القضية الفلسطينية.
ذلك لأن الواقع الدولي والعربي والفلسطيني والإسلامي أعطى ويعطي الفرصة لإسرائيل بأن تفعل ما تريد!!!
الغريب جدًا هنا، أنه في ظل هذا الواقع المتردي، يتحدثون عن أن مصر يجب أن تفعل كذا وكذا! وكأن الجميع فعل وقام بكل ما يجب أن يقوم به، عدا مصر، فهي التي تتقاعس عن القيام بدورها!!!
(صحيح اللي اختشوا ماتوا). مصر، يا سادة، هي أول دولة عربية، بعد أول يوم حرب ضد غزة، قامت بكل ما يجب أن تقوم به وعلى كل المستويات (مؤتمرات، مساعدات، مقابلات لكل الرموز الدولية)، مع إعلان موقفها التاريخي، وهو رفض التهجير قولًا واحدًا، حفاظًا على القضية الفلسطينية، وحتى تكون هناك دولة فلسطينية.
مصر قدمت خطة إعمار غزة مع بقاء أهلها، منعًا للتهجير، تنفيذًا لأوامر ترامب.
ماذا كان؟ اجتمعت مصر في الرياض مع دول الخليج استعدادًا لمؤتمر القمة العربية في القاهرة، ولم يأتِ ملوك وأمراء البترول، تنفيذًا لأوامر أمريكا، وإحراجًا لمصر!!!
الخطة تتطلب 53 مليار دولار، لم تتقدم دولة عربية وتعلن مساهمتها في خطة الإعمار لأنه لا توجد أوامر بذلك!!
لا زالت الضغوط على مصر لإجبارها على قبول التهجير إلى سيناء، في مقابل إسقاط ديونها وتقديم مئات المليارات من الدولارات، ناسين ومتناسين أن مصر لا تبيع شرفها وكرامتها وموقفها بأي مال. لأن الموافقة على التهجير تعني موت القضية، وتعني نقل الصراع المسلح إلى سيناء، أي إلى مصر.
وذلك في ظل استفزاز حقير يتم الآن طوال الوقت ضد مصر، لجرها إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل، أي مع أمريكا، وذلك تحقيقًا للمخطط بالكامل، الذي لا يسقط مصر من حساباته.
والغريب، وفي ظل هذا، نجد هذه الدول التي لا تزال ترفع شعارات حل الدولتين على حدود 67.. إلخ، هم الذين يساندون المخطط، ويخضعون للأوامر، وينفذون المطلوب، بل يقومون بأدوار خسيسة ضد المصلحة المصرية، تصورًا منهم أنهم أنداد لمصر!
يا سبحان الله! ستظل مصر، بتماسك شعبها، وقوتها، وجيشها، وصلابة جبهتها الداخلية، وتمسكها بقيمها الحضارية… هي مصر. حفظ الله مصر وشعبها وجيشها.
…………………………
بقلم/ جمال أسعد