أثار مسلسل "نص الشعب اسمه محمد" حفيظة عدد من النُقاد والإعلاميين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي لأسباب أراها سطحية جداً، في الوقت الذي كان من المفترض الانتظار حتى انتهاء المسلسل لتقديم رؤية متكاملة عن الدراما الاجتماعية المٌقدمة في صيغة كوميدية، وفي رأيي قدمت قضية مهمة شَرَّحت فيها المجتمع المصري بذكاء وناقشت مرضاً اجتماعياً تعاني منه الطبقة المتوسطة المصرية في وقتنا الحالي، ولذلك فتعالوا في رحلة سريعة نُفكك هذه الدراما الناجحة في رأيي المتواضع ونرى إن كانت تستحق أن تثير حفيظة البعض أم لا.
تلعب الدراما على خدعة مفادها أن اسم محمد منتشر جداً في المجتمع المصري وبالتالي عندما تجتمع أطراف مختلفة من البشر في مكان واحد، وكل واحد منهم يحكي عن تجربته السيئة مع شخص اسمه محمد، فمن المستحيل أن يفكر أحدهم أن محمد الذي يتحدث عنه جميع الأطراف هو شخص واحد نظراً لأن "نص الشعب اسمه محمد"، ومن هذه الخدعة الصغيرة ينطلق مؤلف المسلسل محمد رجاء في نسج خيوط حكايته التي تناقش النفاق الاجتماعي، ولا أعني هنا النفاق بين الموظفين والمديرين في أماكن العمل، ولكن أقصد الوجوه المتعدة التي يرتديها شخص ما ليظهر أمام البعض في ثوب التقي الورع، بينما هو فاسق عربيد في رواية أخرى، وبينما هو مسلم يؤدي فرائضه أمام البعض، إلا أنه يسرق ويحتال ويمارس الرذيلة.
هذا الشخص متعدد الوجوه أو المنافق نقابله يومياً في حياتنا العادية، فهذه الحالة منتشرة جداً في مجتمعاتنا، ولقد تعرضنا أكثر من مرة لحالة من الصدمة عندما اكتشفنا أن أشخاص كثيرين من المؤثرين على صفحات التواصل الاجتماعية ويظهرون لنا بثوب الفضيلة، هم في حقيقة الأمر يرتكبون جرائم بشعة تضرب ثوابت المجتمع في مقتل.
هنا يمكننا الرد على انتقادات البعض لمشاهد العنف المنزلي التي شاهدناه في إحدى حلقات المسلسل، فهذا الزوج الذي عنف زوجته لنزعها غطاء رأسها، هو نفسه الزوج الخائن الذي يقود لُعبة احتيال كبيرة لسرقة حماته. أما بالنسبة إلى انتقاد البعض لمشاهد تخطيط البطل لممارسة الرذيلة بينما هو في طريقه لصلاة الجمعة، فهو مبرر أيضاً بنفس ما قدمته سابقاً، فنحن نتعامل مع محتال ومنافق يستخدم غطاء الورع الديني لتغطية ارتكابه لكافة الموبقات، ولا أعتقد أننا لا نعاني من هذا النموذج البشري سواء بين الرجال والنساء في مجتمعنا! وليس هناك عيب أن نتعامل مع أزماتنا الاجتماعية ونواجهها في محاولة لتطهير المجتمع، والتطهير لعبة درامية منذ أفلاطون، فلماذا لا نلعبها الآن وبتوليفة كوميدية ترسم على وجوهنا ابتسامة وسط كل هذا العبث الذي يُديره "محمد" الذي لعب دوره باقتدار النجم الشاب الذي يصعد بقوة "عصام عمر".
استطاع كاتب السيناريو محمد رجاء أن يُحيك خيوط دراما المسلسل باقتدار، فالأحداث التي نشاهدها تدور خلال فترة زمنية قصيرة لا تطول عن شهرين على أقصى تقدير، وبالتالي فنحن أمام أحداث سريعة جداً نتعرف من خلالها على تفاصيل الشخصيات الرئيسية ودوافعها بالمسلسل وكذلك الشخصيات الفرعية التي كان لها تأثير كبير على أفعال وقرارات "محمد" وزوجته وخطيبته وعشيقته، فنصعد تدريجياً مع العٌقد التي تتشكل أمامنا في العلاقات بين جميع أطراف الدراما حتى نصل إلى قمة الصراع ثم نبدأ في التًحرُك نحو النهاية والحل الذي قدمه المُؤلف، وهنا يجب أن أشيد بقدرة محمد رجاء على الإمساك بتلابيب الدراما والأحداث بحيث لم يقع في فخ التفريط أو الإفراط، وبالتالي قدم دراما مثيرة محكمة شوقتنا حتى وصلت بنا إلى النهاية التي لم تكن تقليدية وحملت الكثير من السخرية في تلافيفها.
استطاع المُخرج عبد العزيز النجار أن يُمسك بأطراف الدراما بقوة مقدماً مشاهد ذات وتيرة مناسبة لسرعة الأحداث، إضافة إلى زوايا كاميرا عبرت عن كل شخصية باقتدار، كذلك إدارته لأداء الممثلين حيث استطاع أن يُقدم لنا رانيا يوسف في شكل جديد أخرجها من إطار الديفا الذي سجنت نفسها فيه كثيراً وهذا يُحسب لها بالطبع، فمن الرائع أن يتعامل الممثل مع مرحلته العمرية بذكاء فيختار أدواراً تتناسب معها وتُبقيه في مصاف النجوم في ذات الوقت.
استطاع عصام عمر أن يُضيف إلى سجله التمثيلي دوراً أكد على نجوميته وأنه بالفعل يستحق المكانة التي وصل إليها في الفترة القصيرة الماضية، كما أن المسلسل أفصح عن موهبة فنية كبيرة وهي الفنانة دنيا سامي التي لعبت دور "نجلا العشيقة"، بينما لم تُلفت مايان السيد انتباهي كثيراً بالمسلسل وجاء أداء هاجر السراج سطحياً وبارداً، أما الفنانة الكبيرة شيرين فهي تؤكد بدور ميرفت على تميزها وذكاءها الفني الكبير، وأستطيع أن أقول بمنتهى القوة أنها ورانيا يوسف لعبا دوراً كبيراً في نجاح هذا المسلسل وكانتا عنصران مهمان جداً في لفت الأنظار نحوه.
المسلسل يستحق المشاهدة فهو يقدم لوناً جديداً على الدراما المصرية، حيث نشاهد دراما اجتماعية في قالب اجتماعي ساخر دون الاعتماد على الحوار الكوميدي القائم على النكات والإفيهات، بل كوميديا موقف سلسة وممتعة، وهو ما تفوق في إخراجها للشاشة كل من كاتب السيناريو والمخرج.